كدنا في نادي الباحة الأدبي، ولما نصل إلى نهاية الملتقى الثقافي الثاني أن نعتمد عقد ملتقى الباحة الثقافي مرة كل عامين.. لكن ما أحسسنا به من إعجاب المثقفين على مستوى الوطن وما سمعناه من عبارات الثناء، شجعنا على تبني الملتقيات الثقافية كل عام مرة، إلى أن يأتي من يضطلع بالمسؤولية بعدنا عن معقل الأدب والفكر في منطقة الباحة، وقد كان حماس منسوبي النادي بمختلف علاقتهم به أحد أهم الدوافع فهم الذين تعشقوا التفاني من أجله وهم الذين يعملون بروح الفريق الواحد منذ اللحظة الأولى التي تسلموا فيها الراية من أسلافهم .. وعندما بدأنا خطوات الأعداد لهذا الملتقى للسنة الثالثة على التوالي، فكرنا في مسألة الرعاية الرسمية والإعلامية على اعتبار أنهما من أقوى المؤثرات في نجاحه.. وإبان حضوري لمهرجان العيد في محافظة بلجرشي لهذا العام، التقيت بالشيخ سعد بن زومه - رجل الأعمال المعروف - ودعوته لحضور حفل الافتتاح ومتابعة جلسات الملتقى، إذ هو من عشاق الثقافة كما أعلم، فلم يكتف بالاستجابة وإنما أبدى رغبة ملحة في تكريم المشاركين في هذه المناسبة الفكرية، وقال لي بالحرف الواحد: (وأي شيء تريدونه سوف نفي به، وأنت ممن يمونون على أخيك - يقصد ذاته الكريمة - فأكبرت فيه هذه الروح، وأبلغت أخوتي أعضاء مجلس الإدارة بهذا الأمر غير أن الدكتور عبدالله غريب المدير المالي الذي يحاسبنا على القطمير وحبة الشعير هاتفه شاكراً، وحصل منه على موافقة بدعم هذه المناسبة مالياً، فكان لذلك أثره في نفوسنا، ولاشك أن ذلك مما يستحق الشكر والتقدير انسجاما مع التوجيه الإلهي: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) ثم حان التفكير في الرعاية الإعلامية، وهنا تقررت الكتابة إلى بعض الصحف، وليس جميعها، لتأتي صحيفة الجزيرة مشكورة سباقة إلى الموافقة على رعاية الملتقى إعلاميا عبر محادثة تلفونية مع الأستاذ الدكتور إبراهيم التركي رئيس القسم الثقافي بها، حيث قال لي إنه قد ناقش هذا الموضوع مع الأستاذ خالد المالك وقد أبدى سعادته موافقته المشكورة مع أن الجزيرة قد أعادت أو أنها تعيد ترتيب أوراق الرعاية الإعلامية لنشاطات المؤسسات.. وقد سبق لهذه الصحيفة العريقة والمتميزة أن رعت ملتقانا الثقافي للعام الماضي، ما يعني أنها - تبعاً لوعي وإدارك قيادييها - متفهمه لدور ونتائج مثل هذه الملتقيات التي تدعم الحراك الثقافي بقوة تتجلى آثارها فيما تسفر عنه من رؤى فكرية نحن في أمس الحاجة إليها وذلك ما يتطلع إليه حاملو الهم الثقافي الذين يشكلون أحدى نخب المجتمع الراقية فكراً، وسلوكاً!!
أما عندما نتحدث عن الملتقى ذاته، فليس من شك في أنه يشكل حلقة في سلسلة التفاعل الأدبي والفكري والثقافي التي تتناوب مناطق المملكة في استمراريتها بالتتابع من الجوف إلى جازان، ومن نجران إلى تبوك، لتعطي للجيل جرعات قيمة من الثقافة التي لأغنى لأي كائن بشري عنها، ولا أجانب الحقيقة عندما أقول أن التجاوب مع نشاطات العقل في بلادنا قد أخذ منحى يبشر بخير، وما ذاك إلى لأن التجارب والأحداث من حولنا قد أبرزت الدور الحيوي للثقافة التي هي في نهاية الأمر الوسيلة الأنجح في جعل المرء عضواً ليس نافعاً لموطنه ومواطنيه فحسب، وإنما تمنحه القدرة الكافية لرؤية الأمور على حقيقتها التي مهما تكاثفت سحب الحجب، فنفاذ البصر ونافذ البصيرة لا يتوفران لدى المرء من غير السعي لاكتساب الثقافة بتنوع صورها، وتعدد جوانبها، فهي الرصيد الحقيقي الذي يفخر به الإنسان .. والسعي إلى اكتسابها هو إلى الفريضة أقرب منه إلى الترف وفي الصباح يحمد القوم السرى.
رئيس النادي الأدبي بمنطقة الباحة