قال طرفة بن العبد في قصيدة له (كلهم أروغ من ثعلب - ما أشبه الليلة بالبارحة) وقال شاعر آخر (يعطيك من طرف اللسان حلاوة - ويروغ عنك كما يروغ الثعلب) وفي الأمثال (أدهى من الثعلب) والثعلب في لهجتنا الشمالية نسميه (حصني) وتصغيره (حصيني) والثعلب ممثل بارع إذا طارده الصيادون تماوت وإذا شم رائحة الكلاب وثب (أنحاش) بسرعة وابتعد والثعالب أنواع، ثعلب بري، وثعلب قطبي، وثعلب جبلي، وكلهم في الصفات والطبائع والمراوغة سواء وليس بينها ثعلب واحد أليف أو يستحق الإشادة أو بعيد عن الخبث والمكر والخداع، وفي بطون الكتب ثمة أشياء كثيرة أخرى عن الثعالب لست بصدد إيرادها إلا بقدر الإشاره إلى بعض (الثعالب الآدمية!) بوصفها أحياناً أكثر الثعالب مخادعة ومراوغة لأنها تمتلك نزعتين مختلفتين ومتنافرتين في وضح النهار نزعة وفي بهيم الليل نزعة أخرى، أن بعض هذه الثعالب الآدمية! فخورة بمكرها وفخورة بخداعها وفخورة بكل أنواع الرياء والتشفي ورداءة الطباع التي تملكها ولا تحاول الانفكاك منها ومن قيودها وأغلالها الصلدة، إن بعض هذه الثعالب الآدمية! عندما يداهمها الخطر وتكتشف من قبل الآخرين تحاول الدفاع عن نفسها بما تملكه من سبل دفاعية حتى ولو على حساب نفسها ومبدئها ومحيطها وعرفها لا لشيء إلا لمجرد التخلص من الموقف ومن الظرف الذي يحيط بها بأسرع ما يمكن من وقت في ظرف زماني ومكاني محدد، إن بعض هذه الثعالب الآدمية! لا تملك الرشد في المواقف وليس لها مغزى أو هدف أو حكمة في حياتها ولا تعرف التأمل في خارطة الخيارات الإنسانية وليس لها عدالة أو قانون في التسامي والخلاص أو كياسة في الأخلاق والمعاملة، إن بعض هذه الثعالب الآدمية! لها طقوسها وتضاريسها ومناخاتها وعاداتها وتقاليدها في المكر والخداع بدرجة واضحة وبائنة لا تخفى عن الضرير الأصم رغم محاولتها ردم الهوة ورتق الشق ومحاولة الإبقاء على ما تبقى من ستر إلا أن الفجوة كبيرة والشق واسع، إن بعض هذه الثعالب وصلت في غيها إلى درجة محاولة تستطيح الناس ومحاولة الخروج عليهم وتسفيه أحلامهم وإلغاء واقعهم رغم ما تملكه هذه الثعالب الآدمية! من انحرافات وتشوهات وتفنن في الكذب وتسويق الأوهام بدرجه عالية تفوق درجات (الفهرنهايت) في رابعة النهار، إن بعض هذه الثعالب الآدمية! التي تعيش تراكمات ثقافية ومعرفية وواقعاً مزرياً ومراً ولديها إحباط وضياع في الواقع وضياع في الأحلام، إن مثل هؤلاء يجب أن لا يثيروا فينا أي شفقة أو رحمة ولا نستسلم لإراداتهم أو تأخذنا أفكارهم أو تطلعاتهم أو حركاتهم الحياتية فعلاً وعقلاً وخيالاً وأماني، إنهم مجرد فقاعات صابون وزبد ماء ما يلبث أن يذهب ويختفي لأنهم لا يملكون أي عبقرية أو أدنى فضيلة، إنهم مجرد ثعالب حتى ولو بدوا بهيئات مختلفة وصحو ومنام مختلف، إن هذه الثعالب الآدمية! تعيش حولنا في كل مكان وتحوم بشكل لافت للنظر وتتحيّن أي هزة أو فرصة اجتماعية لتقوم بدورها الماكر حينما يجن الليل لينهالوا بقبضاتهم القبيحة على وجه المجتمع الناصع دون أدنى تردد أو تيقن أو معرفة، فدعونا نطارد هذه الثعالب الآدمية! ونمقتها اجتماعياً وإقليمياً وبيئياً وفكرياً وأدبياً حتى يعيش المجتمع ويبقى حراً صافياً نقياً هنيئاً دون ثعالب أو (حصينيات).