الباحة - محمد عطيف - علي صمدة:
اختتمت فعاليات ملتقى الباحة الروائي الثالث بالعديد من الجلسات النقدية الساخنة وسط أجواء متدثرة ببدايات موسم البرد وكللها روعة الجو وجمال الأدب وزهو الثقافة. وبرغم كون البرنامج ضاغطاً قليلاً إلا أن الأوراق المقدمة كانت جيدة وكان التفاعل معها مثرياً.
جلسات اليوم الأول:
جلسات اليوم الأول: انطلاقة موفقة
الجلسة الأولى: وتضمنت الورقة الأولى للدكتور سعيد يقطين الذي تحدث عن التجربة الروائية السعودية وأهميتها المتنامية مؤكداً على أن التجربة الروائية لم تواكبها الدراسة الجادة وتحدث من خلال تطبيقات على أعمال عن معالجة الشكل الروائي وكيفية تقديم المادة الحكائية عبر مكونات الزمن والراوي وصيغ الخطاب.
ثم تلاه الدكتور محيي الدين محسب الذي تحدث عن الحلم ودوره في السرد الروائي مركزاً على قراءة ذلك من خلال رواية عبده خال (فسوق) مسترضياً جوانب عديدة في ناحية كانت مثار العديد من المداخلات الساخنة. ثم قدم الدكتور معجب العدواني ورقة عن النهايات في الروايات من ناحية نظرية، فيما تعرض الدكتور محمد عبد الرحمن يونس الذي طرح العديد من الرؤى حول في مفهوم المكان في النص الروائي، في حين تعرض الأستاذ أحمد العدواني للعلاقات بين النهايات والبدايات والتقنيات الكتابية في ذلك في النص الروائي.
الاحتفاء (بالناصر)
الجلسة الثانية:
وكان محورها قراءات في أعمال الروائي إبراهيم الناصر الحميدان: حيث قرأ الدكتور صالح زيّاد ملامح دراسة معمقة في بنية أعمال الكاتب، فيما استعرض الدكتور حسن حجاب الحازمي بواكير التجديد في الرواية السعودية عند عبدالله الناصر عبر رواية (عذراء المنفى) التي تعتبر آخر أعمال الناصر في تلك المرحلة المبكرة من عمر الرواية السعودية، أما الدكتور جمعان عبدالله الغامدي فقد تحدث عن ثنائية الأسطورة في أعمال الناصر عبر استعراض عدد من أعماله مثل (دم البراءة - الغجرية والثعبان - وحيطان الريح ). في حين للدكتورة كاميليا عبدالفتاح وقفات مع (الوعي والتأزم والنوق إلى الحرية) في أعمال الناصر. في الوقت الذي استعرض فيه الأستاذ أحمد سماحة بنية الوصف والمكان في السرد الروائي للكاتب. واختتم الجلسة الدكتور علي الرباعي بجولة نقدية قرائية في (حيطان الريح) للكاتب مؤكداً أنها حاولت أن ترصد وضع المواطن المتردي .
حضور الرواية النسائية
الجلسة الثالثة:
افتتحها الدكتور عادل ضرغام باستقراء جماليات اللغة الروائية في (البحريات) وتقنياتها. فيما تطرق خالد الرفاعي لأزمة الشكل في الرواية السعودية من خلال توصيف الأزمة وأبرز مظاهرها وتوصيف الحالة اللغوية شافعا حديثه بتطبيقات على العديد من أهم الأعمال في الرواية السعودية.
أما الدكتور أسامة البحيري فتحدث عن شعرية التشكيل في الرواية النسائية السعودية في (البحريات) نموذجاً حيث أشار إلى أن ألحكي يعد وسيلة من وسائل التحرر والانعتاق من كثير من القيود وأن رواية البحريات تطرح عوالم وكيانات وشخصيات متشابكة ومتصارعة بمهارة وبراعة.
واختتمت الجلسة الناقدة أمل التميمي بحديثها عن تداخل الرواية النسائية في السيرة الذاتية متتبعة مرحلة ظهور الرواية الواقعية ثم مرحلة التقليد انتهاء بتحديد الدور في فض الاشتباكات بين السيرة الذاتية والرواية ووضع بعض الحلول في بلورة مقومات السيرة الذاتية بما يميزها عن الرواية.
الرواية (تلتهم) شقيقاتها..!
الجلسة الرابعة:
افتتحها الدكتور معجب الزهراني بما يشبه الأطروحة عن العلاقات الحوارية بين الرواية والسيرة الذاتية. فيما تعرضت الدكتورة ضياء الكعبي (جامعة البحرين) إلى التناص في روايات خليجية من خلال قراءة في التقنيات السردية والتمثيلات الثقافية مشيرة إلى حداثة تجربة الرواية الخليجية بالقياس مع الرواية العربية وقيام عودها على أكتاف الأعمال الروائية الجادة لمبدعين خليجيين أرست مكانتها في الوقت الذي يعد الناص بأشكاله التفاعلية أبرز التقنيات الروائية البارزة عند مبدعين مثل مشري ورجاء عالم. فيما تألق الدكتور محمد القاضي في عرض قضية (هل الرواية جنس امبريالي؟) مؤكداً على أن الرواية (أكلت) معظم الأجناس الأدبية الأخرى كالمقالة والخاطرة والقصة.. الخ كما أنها لا حدود لها ولا قيود فنية مصطلح ومتفق عليها. في حين كان للدكتورة عائشة الحكمي منهجا نقدي قوي ومنظم في قراءتها لرواية (اختلاس) مفتتحة بقل أبو هلال العسكري (لولا أن الكلام يعاد لنفذ) مؤكدة على أن الدراسات الحديثة تؤكد على تنامي الاهتمام بدراسة تداخل الأجناس الأدبية، في السياق العام للرواية خصوصا رواية ما بعد الحداثة. بعدها قدمت أ. أسماء أبو بكر قراءة حول تضاريس الفضاء والأجناس في الرواية السعودية.
ثم أعقبتها الدكتورة مريم الغامدي بتتبع أثر الأنواع الأدبية على الرواية والتغيرات الناتجة عن ذلك في ظل تنامي التغيرات نفسها للرواية مؤخراً. أما أ. منى الغامدي فقرئت (بنية الخرافة بين الحكاية الشعبية والرواية).
جلسات يوم الأربعاء:
الرواية والخروج إلى (المسكوت عنه)
الجلسة الأولى:
افتتحها الدكتور أحمد صبرة بقراءة مجازية في السرد القصصي تعرض فيه للدور الذي يؤديه المجاز في اللغة والتأكيد على أن المعنى الكلي للخطاب ينخلق من خلال المجاز.
ثم أعقبه الدكتور والناقد محمد العباس بعنوان كان الأكثر جدلاً منذ بدايته حول (جماليا الفحش اللفظي) مفتتحاً بأن بعض الروائيين يميل إلى استخدام لغة على درجة من الفجاجة وأن الفحش اللفظي بدأ يتفشى في الرواية السعودية ويتسيد بعضها وإن كان لا يبدو في مجمله حالة من النزق الذاتي مؤكداً إلى أن من يستخدم ذلك إنما يريدون مماثلة الحياة بالرواية. ثم أعقبته الأستاذة نورة القحطاني باستعراض (لغة الخوف وانعكاساتها على تقنيات السرد في الرواية المحلية) وأنها ظاهرة تستحق الدرس والتحليل وأن تلك ظاهرة وثيقة الصلة بالتشكيل اللغوي وبالتالي فإن دراستها من خلال إطار أسلوبي يكشف عن أبعاد مفردات الخوف وأثره على السرد.
أما الدكتور حسين المناصرة فقد تحدث عن (جمالية التعددية في الأصوات واللغات) من خلال مقاربة في نماذج روائية سعودية (صالحة: لعبد العزيز مشري - وكائن موجل - وأبو شلاخ البرمائي - والمنبوذ) في إطارين أحدهما تنظيري موجز والآخر تطبيقي موسع مشيراً إلى أهمية أن يتحقق (تقنيات تجانس النص من خلال تفتيت أحادية اللغة التي توحي مطلقية القيم والآراء والمواقف) على الأقل في ظاهر النص. فيما ركز الدكتور أيمن بكر في قراءته الجميلة لورقته (جماليات اللغة الروائية: سؤال المجاز) مثيراً العديد من الأسئلة حول اهتمام النص الروائي بجماليات لغته بمنطق لا يتخلف جوهريا عن منطق الشعر مع فارق أن الأخير غير ملتزم بتقديم حكاية أو صنع تسلسل منطقي للأحداث)، ليصل أن تلك الأسئلة تمثل أرضية واسعة للبحث الحالي عن مسألة الإعجاز في السرد الروائي في المملكة.
ما وراء السرد..!
الجلسة الثانية:
افتتحها الدكتور ظافر الشهري بوقفات عن (التحولات المضمونية والشكلية في الرواية السعودية مرورا بالمراحل وحركة النقد والنضج الفني والتطور لفن الرواية. فيما قرأ الدكتور عالي القرشي (تحولات الشكل والرؤيا) من خلال مقاربة تعتمد على متابعة العلاقة مابين تبدل الشكل الروائي وتحولات الرؤيا. أما أ. ميساء الخواجي فاستعرضت جوانب (الرواية النسائية السعودية بين تناول المحظور وتحول الشكل الروائي. ثم قدم عبد الرحمن الوهابي عرضا جيدا للقالب الروائي في السعودية وسياسة السرد. وختمت أ. أسماء الزهراني ب (ماوراء الشكل، ماوراء السرد) في قراءة حاضرة لمفهوم التجريب في الرواية السعودية في ظل التسارع في التحولات الثقافية في المملكة وخصوصا حول الانفتاح على الذات بمكاشفات ونبش في مخزونها ومكبوتها في رغبة للاطلاع على المنجز.
الشكل الروائي وتحولاته
الجلسة الثالثة:
افتتحها الدكتور حسن النعمي عن بنية (العنوان في الرواية السعودية) وأنه جزء من منظومة العتبات المؤثرة في استقبال النص مثله مثل الغلاف والمؤلف والمقدمة وهي كلها تقترح مسارات التلقي مؤكداً على أهميته الاستثنائية في الدراسات التفكيكية. ثم أعقبه الدكتور محمد رشيد ثابت بالحديث عن الشكل الروائي وتحولاته: من التفاوض مع السائد إلى اختيارات الذات.. مؤكداً على ارتباطه في الأدب العربي بفعلين متنازعين متلازمين. أما علي الشدوي فقد تعرض ل (القارئ في البدايات الروائية، تحولات البداية في عينة من الروايات السعودية). فيما استعرض سحمي الهاجري (الشكل والدلالة الإضافية أمثلة من الرواية السعودية الحديثة) منطلقا من فرضية محددة تؤكد على أن النبرة الخطابية العالية لروايات هذه المرحلة تنطلق من كون الرواية في الأساس سرداً معارضا، إضافة إلى أولوية الاشتباك مع قضايا الرأي العام، مقدما أمثلة من الروايات السعودية الحديثة بتحليل ما فيها من دلالات إضافية تقوم على تقاطع عناصر البنى الروائية مع مضامين الروايات. ثم ختمت أسماء مغربي الجلسة بحديثها عن (هندسة الشكل.. محاولة للتعرف على شكل رواية الجنية).
مشاهدات:
- كانت حالة الرضا واضحة على محبا الحضور، والتفاعل في الجلسات من حيث المداخلات كان قويا ورائعا ولائقا بمكانة الملتقي كملتقى تخصص في مجال الرواية من بين الأندية الأدبية في المملكة.
- الدكتور سعيد يقطين (المغرب)، والدكتورة ضياء الكعبي (البحرين) كانا محل حفاوة وتقديرين كبيرين من قبل الجميع لمكانتهما المعروفة.
- من الطريف أن الدكتور سعيد يقطين تعرض لملاحظات عديدة حول اختلاف طرحه (شفويا) عنه (كتابياً) حيث وصف طرحه بالبساطة والوضوح على عكس ما يرد في كتبه من عمق شديد.
- العلاقات العامة والإعلام بقيادة الأستاذ الشاعر عبد الرحمن سابي قدمت جهود كبيرة وخصوصا في المركز الإعلامي المصغر حيث واصل أعضاؤها أكثر من 18 ساعة يوميا في خدمة الحضور والضيوف.
- كانت هناك ملاحظات على ضغط الجلسات وعدم كفاية أوقات الراحة، ولكن رغم ذلك كان التفاعل رائعا ومميزاً.
- تميز ملتقى هذا العام بوفرة الأوراق والبحوث، وإن انعكس ذلك على ضيق الوقت وإجبار المشاركين على ضغط الأوراق لأقصى درجة ممكنة.
- خلال أيام الملتقى كان بهو الفندق واحة أدبية ونقدية بامتياز وغلبت الروح الحميمية على جميع في جو رائق ومميز.
- كان هناك ركن للكتب المباعة، وآخر للكتب المهداة والتي حفلت بعناوين ممتازة من أهمها كتاب (معجم الإبداع الأدبي - الرواية) في المملكة العربية السعودية مدخل تاريخي (دراسة ببليوجرافية ببلومترية).
- أمضى الأدباء الضيوف سهرة ممتعة مساء الثلاثاء في (قهوة المساء) بدعوة أريحية حولها المثقفون لسمر ثقافي متنوع ومميز وإبداعي كان فيه الدكتور سعيد يقطين نجماً في قمة التواضع والجمال وشارك أشقائه حتى في الرقصات الشعبية المحلية.
- كالعادة تميز الحضور النسائي بطرحه مداخلاته محافظاً على ما قدمه من وهج خلال العام الماضي.
- للحق كان أعضاء مجلس إدارة النادي ولجانه وفي مقدمتهم الرئيس لا يتوقفون لحظة وقدموا أنموذجا في العمل المخلص والدءوب أثمر عن عمل منظم ومميز.
- من ضمن الاقتراحات التي قدمت من الضيوف طلب طباعة الأوراق قبل بدء الملتقى بحيث يكون مرجعا للتغلب على ما يتسبب فيه ضيق الوقت من أرباك لصاحب الورقة المقدمة.
- أرسى أهل الباحة كالمعتاد مفاهيم الكريم والحضور الجميل في قلوب ضيوفهم منذ البداية وحتى النهاية فلهم التقدير.