تابعت مع غيري من القراء ما نشرته (الجزيرة) منتصف شهر رمضان المبارك من حديث عن التلفزيون السعودي الذي شعرت بقسوة النقد الموجه له في ذلك المقال، ثم جاء رد الأستاذ سليمان الحمود مدير عام القناة الأولى كالبلسم الشافي الذي فنّد حديث الأستاذ علي العبدالله بإيجاز سلس دلّ على ما يتمتع به تلفزيوننا الحبيب من مرونة وشفافية قد لا تجدها في كثير من القنوات الأخرى وتقبله للنقد بصدر رحب.
الأستاذ سليمان الحمود جاءت حجته في تفنيد تلك الإدعاءات بلغة مفهومة وأنا أشكر (الجزيرة) التي أتاحت له المساحة الكافية للرد، وإن كنت أعتب على المحرر الفني الذي تدخّل (دون وجه حق) بالرد على الحمود وحاول مصادرة رأيه (على غير ما اعتدناه من صحيفة الجزيرة) كما أشكر الحمود على صراحته ووضوحه وتقبله لنقد لم يكن منصفاً أو موضوعياً حيث نصب المحرر الفني ل«الجزيرة» نفسه كحكم وخصم، وفي هذا الرد تكشّف لنا ما لم نكن نعلم عنه، بينما كان على المحرر أن يقف على الحياد وهذا اقل ما يجب أن يفعله لا أن ينتصر للكاتب علي العبدالله الذي لم يقل الحقيقة ولم ينصف التلفزيون السعودي على نجاحات كثيرة يشهد له الجميع بها ممن لهم ذائقة فنيه ويتمتعون بحس إعلامي ويملكون ثقافة تؤهلهم للحكم.
وقد شبه الحمود القنوات (الغرائزية) كالصحافة الصفراء وهو محق فيما قال، لأنها لا تبني له فكراً ولكنها تحاول مستميتة تسطيح أذهان المشاهدين وتلعب على غرائزهم، بينما التفزيون السعودي بجميع قنواته يخاطب عقول المشاهدين ويدافع عن قيمهم ويحاول أن يضعهم في دائرة اهتمامه.
سأقتص من حديث الحمود الذي نشرتموه ما يلي:
يمكننا التأكيد على أن التلفزيون السعودي لايزال يحظى بنسب مشاهدة عالية تؤرق القنوات المنافسة وتدفعها للبحث عن كل الأسباب التي قد تعينها على سحب الباسط من تحت أقدامنا، ولكن الأيام أثبتت عجز تلك القنوات عن ذلك.
إن مجتمعنا (متحرك) وليس جامداً وهو يتأثر، ويؤثر وتلفزيوننا كان وما زال وسيظل
وعاء للتثقيف والتنوير والحفز على المشاركة الاجتماعية بما يتفق مع وتيرة التغيرات والمستجدات، وهو الدور المنوط بوسائل الإعلام المختلفة بالتكامل مع مؤسسات المجتمع الأخرى، بهدف ضبط إيقاع الانفتاح بما لا يتعارض مع ثوابت المجتمع، أو يتعارض مع ما يميزنا من عادات وتقاليد جميلة.
اتركوا عنكم النظر بانبهار لما حولكم من قضايا، وتابعوا هذا الجهاز الكبير الذي وفر لعيون مشاهديه كل ما يلبي رغباتهم، فمن يتابع الأخبار وتقاريرها ومايجري في العالم سيجدها في الإخبارية، ومن أراد الترفيه والمسلسلات والبرامج الحوارية والثقافية فليتابع الأولى، ومن له رغبة في الرياضة بجميع أشكالها وتخصصاتها فعليه بالرياضية، وللمقيمين غير الناطقين بلغتنا القناة (الثانية).. ثم تقولون إنه جامد!
ولأني من الذين تابعوا برامج القناة الأولى تحديداً في جميع أيام رمضان المبارك، ومثل ذلك كان لي متابعة لكثير من المسلسلات التي عرضت في قنوات أخرى غير سعودية، حيث حفلت الأخيرة بمصطلحات خارجة عن المألوف، مع تواضع درامي، وكنتم في صحيفة (الجزيرة) أول من تطرق لها، وهي دليل على تفوق التلفزيون السعودي الذي يحظى برقابة شديدة، ولا يسمح بمثل هذه المشاهد المؤذية لأنه وكما قلنا سابقاً يحترم عقول مشاهديه بأن جعل قناتهم المفضلة وعاء ثقافياً لهم يبني من خلاله ولا يهدم.
والأستاذ الحمود طرح نماذج من بين البرامج والمسلسلات التي عرضها التفاز، ولعلّ أبرزها برنامج (وجوه وأماكن) والذي يطوف بالمشاهد في رحلة سياحية ممتعة إلى بلاد العالم للاطلاع على الثقافات الأخرى والمواقع التاريخية النادرة، وبرنامج (تراث) والذي يرصد الموروث العالمي، وبرنامج (التسامح الديني)، ومثلها المسابقات مثل (مسابقة الأطفال: نورت المملكة، المسابقة القرآنية، مسابقة اعرف المثل، مسابقة حقق حلمك) وبلغت مجموع جوائزها أكثر من مليوني ريال، و(بالقرآن نحيا) وهو على نمط تلفزيون الواقع.
ومن خلال مسلسل (عسى ما شر) والذي يميل إلى الفكاهة وظفت الكوميديا لمعالجة الكثير من السلبيات التي يمارسها بعض البشر بطريقة فنتازية فكاهية، وغيرها من الأمثلة التي لا يسمح المجال بحصرها.
أعلم أن (الجزيرة) تقف مع الجميع على خط واحد، ويهمها دوماً أن يكون جهازنا المرئي أفضل من أي جهاز تلفزيوني آخر، وأن يظل ملاذاً آمناً للأسرة، وانه بالعمل الصحيح والمتواصل والحس الوطني يستطيع القائمون على الجهاز التلفزيوني السعودي مواصلة النجاح، مما يجعل المشاهد على ثقة بأن تلفزيوننا سوف يظل في موضع متقدم بين هذا الكم الهائل من القنوات العربية.
ناصر بن مجحد العتيبي