يتوقع الموظف - أيا كانت وظيفته - أنه أصبح غنيا طالما أنه يستلم راتبا مضمونا شهريا! وينسى ذلك الموظف أنه محدود الدخل وليس هو برجل أعمال. دون إدراك منه بأن مصروفه لقضاء متطلبات أسرته لابد وأن يكون بحدود، بل ومدروسا بعناية؛ فلا يذهب ريال واحد دون أن يعرف هدفه ومصيره، فالراتب مقداره معروف وكميته ثابتة، ولا يمكن أن يزيد ريالا واحدا دون علاوة سنوية أو مكرمة ملكية! وحين يدرك المرء السوي ذلك يصبح إنفاقه في إطار ذلك الدخل وبناء على ميزانية مقسمة بدقة، مع احتساب عنصر المفاجأة كالحوادث أو الأمور الطارئة.
أقول ذلك وأنا أسمع دائما نغمة موحدة تدور في محيط الشكوى من الفقر وقلة الدخل، وارتفاع الأسعار، فلا تكاد تجد إلا متأففا من وضعه الاقتصادي، متضجرا من مصروفاته حاسدا فلانا من الأغنياء، مبديا غيرته بلا حياء من آخر يملك سيارة فارهة أو قصرا مشيدا. وكأنه - والحالة هذه - يشكو رباً رزقه الكفاف ومنحه الصحة والأمن والحرية.
والعجيب أن حالة من العدوى أصبحت تستشري بين الناس، فما أن يبدأ أحد بالشكوى حتى يشاركه الجميع بالتبرم والسخط ولاسيما حين يأتي ذكر لرجال أعمال مشهورين فيتهمونهم بعدم إخراج الزكاة وهم لا يعلمون عنهم شيئا، وصولا لمسئولين بالدولة يغمزونهم باستخدام سلطاتهم للوصول إلى مآربهم والحصول على تسهيلات مالية فيكونون قد أدخلوا في ذممهم ما لم يروه أو يقفوا عليه، ولا يقف الأمر عند ذلك الحد بل وتدخل الدولة في إطار الاتهام ليتساءلوا عن أموالها وميزانيتها الضخمة وكيف صرفت؟! ولو جعلوا للإنصاف موضعا لرأوا كمية الأموال التي تصرف على مدرسة واحدة بما تحويه من مبنى وفصول ومرافق عامة، فضلا عن رواتب معلميها وموظفيها، فكيف بأعداد المدارس والمعاهد والجامعات؟ ولشاهدوا ما يصرف على مستشفى واحد بكل ما يشمله من تكاليف على مدى عام كامل، ولو أعطيت الميزانية جميعها لشخص واحد غير راشد لصرفها في وقت قصير مثلما يصرف راتبه، ولبات يشكو الفقر ويتذمر ويسخط على كل من حوله، ومن غير المنطق الإسراف في الإنفاق والشكوى من الفقر!
وما أود الوصول له هو ضرورة تعلم لغة تدبير المعيشة، وأبجديات الرضا والقناعة، فليست العبرة بكثرة الدخل ولكنها بحكمة الصرف، والتوقف عن شراء ما لا يلزم أو ما يمكن الاستغناء عنه، ووضع حدود كافية بما يكفي المرء ويعفه عن النظر بما في أيدي الناس وما منحهم الله إياه من زينة الحياة الدنيا، ويسأل الله من فضله بما يكفيه ولا يطغيه، ولا يستدرجه لمعصية أو يشغله عن ذكر ربه أو تربية أبنائه.
وعلينا أن نحارب ظاهرة التذمر من الفقر ونوقف شلال الشكوى من تكاليف المعيشة والسخط من الأوضاع الاقتصادية الراهنة. وبالمقابل يحسن أن نوطن معاني التفاؤل ونستثمر الوقت بتلمس أسباب الرزق والبحث عن أماكن العمل وتحسين الدخل بالطرق المشروعة بما يشغل أوقاتنا ويثريها بالعطاء ويكسو حياتنا بالرضا!
rogaia143@hotmail.Com
ص. ب260564 الرياض 11342