تحدثنا سابقاً عن ضرورة إفصاح البنوك حول تأثير الأزمة المالية العالمية على مركزها المالي وعلى استثماراتها الخارجية، وأعلنت البنوك مشكورة أن التأثير غير موجود بشكل مباشر، وجاء بطلب من مؤسسة النقد رغم أن الإفصاح يجب أن يكون مباشراً وبدون الحث عليه من أي جهة؛ كونها شركات مساهمة ومن الضروري أن تبادر تلقائياً بالكشف عن أي معلومة للمساهمين بسبب وبدون سبب، ولكن اليوم نحتاج إلى إيضاحات من نوع آخر، فقطاعات عديدة تضم شركات ذات علاقات تجارية دولية وتنفذ أو تخطط لمشاريع مستقبلية مع شركاء أجانب يستثمرون أموالهم وخبراتهم بالمملكة، ويحصل هؤلاء الشركاء على تمويل تلك المشاريع من مصارف أجنبية من باب سياسة جذب الاستثمارات للمملكة، وتتركز أغلب تلك المشاريع بقطاع البتروكيماويات، ولم نسمع إلى الآن أي تصريح من إدارات تلك الشركات يبيّن الموقف الحالي لمستقبل تلك المشاريع، وهل هناك ضرر أو تأخر سيحدث بتنفيذها، وهل البنوك العالمية التي وافقت سابقاً على تمويل مشاريع بالمملكة لديها القدرة أو الاستعداد بالمرحلة الحالية للاستمرار بالتزاماتها السابقة؟ فهذا الجانب يحمل قدراً كبيراً من الأهمية؛ لأنه سيؤثر على قرار المستثمرين حول جدوى الاستثمار بهذه الشركات، فالإشاعات والتوقعات حول أثر الأزمة المالية العالمية على مشاريع تلك الشركات منتشرة بين المتداولين، وهي تكهنات منطقية في ظل ما يحدث الآن، ولكن نجد صمتاً رهيباً من رؤساء الشركات رغم ضرورة حضورهم الإعلامي بهذه الفترة، ووجدنا قبل أيام كيف بادر رئيس شركة معادن للرد فوراً حول الأخبار التي توقعت تأجيل مشروع الألمنيوم مع شركة ريوتينتو فوراً، وهذه نقطة إيجابية تسجل لإدارة معادن، ولكن ماذا عن البقية؟ خصوصا الشركات الصناعية التي أعلنت خلال المرحلة السابقة عن مشاريع تقدر بعشرات المليارات من الريالات، وأغلبها بشراكات عالمية، وماذا عن الشركات التي حصلت على موافقات تمويل من الخارج، هل سيبقون على سكوتهم أم سيفاجئوننا بتبريرات تأخر المشاريع عن موعدها المحدد نتيجة الظروف الاقتصادية العالمية؟ وهل سنسمع منهم أن تباطؤ الاقتصاد العالمي الذي بدا يظهر أثره من خلال إعلان الصين عن توقعها بانخفاض معدلات النمو للربع الثالث عن 10 بالمائة بخلاف وضع الاقتصاد الأمريكي والغربي المتدهور أن المشاريع التي خطط لها في السابق سيتأجل تنفيذها إلى وقت آخر رغم أن ما يحدث عالمياً بالتأكيد سيحمل أثراً إيجابياً بانخفاض تكلفة المشاريع التي ارتفعت خلال السنتين الماضيتين بنسب فاقت 150 بالمائة، إلا أن معضلة التمويل ستبقى هي الهاجس الأكبر خصوصاً للشركاء الأجانب.
الشفافية والإفصاح مطلب مشروع بكل الأوقات، ودَيْن مستمر على مسؤولي الشركات لصالح المساهمين، ولكن الوقت الحالي يتطلب تفاعلاً أكبر من قِبل الإدارات المعنية؛ لأن الأسواق تعيش حالة اضطراب غير مسبوقة، وكل إشاعة سلبية يسهل تصديقها الآن خصوصاً إذا لم يكن هناك تفاعل سريع من قِبل إدارات الشركات، فالمسؤولية اليوم مضاعفة، والمساهمون غالبيتهم أفراد ويحتاجون للاطمئنان على استثماراتهم واتخاذ القرار المناسب وفق معطيات دقيقة وليس بناء على إشاعات وتوقعات، كما أن لهيئة سوق المال دورها بطلب الإيضاح الكامل من قِبل الشركات مثلما طلبت مؤسسة النقد من البنوك بالإفصاح عن مدى تأثرها بالأزمة الحالية.