انتهت المناظرة الثالثة والأخيرة بين مرشحَيْ الحزبين الأمريكيَّين، الديموقراطي باراك أوباما، والجمهوري جون ماكين، دون أن يتغير شيء؛ فأوباما لا يزال في المقدمة، وماكين في تراجع. وليس ذلك بمستغرب؛ فماكين يمثل الحزب الحاكم وجورج بوش بكل ما يعني ذلك من حروب
غير ضرورية وأزمة اقتصادية لم يعرف لها الشعب الأمريكي مثيلاً.
قبل تلك المناظرة حاول ماكين أن يُغير من استراتيجيته إلى حد ما؛ فأظهر احتراماً لأوباما في حملته بعد المناظرة الثانية، وقاطع عدداً من مؤيديه حين تعدّوا الحدود المعقولة، وحاول أن يتوقف عن الهجوم الشخصي الذي يصدر منه هو، على الأقل. ولكن ذلك كله لم يفلح في أن يُحدثَ تغييراً ملموساً في مواقعهما في السباق؛ ولذلك، وفي المناظرة الثالثة، عاد ماكين إلى الهجوم الشخصي، مرة أخرى؛ فرسّخ صورته كمرشح متردد تتجاذبه التكتيكات المتضادة، لأسباب قد تتعلق بالإحباط واليأس.
ولعل حديثه عن السبّاك (جو) دليلٌ آخر على ذلك؛ فقد اختار أن يتحدث عن (جو) السبّاك، الذي التقى أوباما في حملته وتحدث معه. قال ماكين إن السياسة الضريبية التي يدعو أوباما إليها ستقف حجر عثرة أمام منشأة (جو) السباك الصغيرة، والحقيقة هي عكس ذلك. ولكن القصة لا تنتهي هنا؛ فترديد ماكين لاسم السبّاك (جو) صار مصدر استهزاء وسخرية من ماكين، من قبل وسائل الإعلام والمحللين.
ومن جهة أخرى، حاول ماكين أن ينتقد أوباما بسبب ربطه له بالرئيس جورج بوش وسياساته، فقال له: إذا كنت تريد مقارعة جورج بوش فقد كان عليك أن تفعل ذلك قبل أربع سنوات. ولكن ذلك التكتيك لم ينفع؛ فارتباط ماكين بالسياسات الاقتصادية لجورج بوش واضح للعيان، كما أن الأزمة المالية التي لم تشهد لها الغالبية العظمى من الناخبين الحاليين مثيلاً تزيد من صعوبة ارتباط صورة ماكين بالرئيس الجمهوري الحالي.
وبشكل عام فقد استمر تراجع جون ماكين في استطلاعات آراء الناخبين منذ شهر سبتمبر الماضي. وقد حدث العكس لباراك أوباما الذي استمرت شعبيته في التزايد، وبدأ يظهر في أعين الأمريكيين كمرشح يمكن أن يصل إلى المكتب البيضاوي.
يبدو أن السناتور جون ماكين سيدفع فواتير حزبه وفواتير الرئيس جورج بوش في هذه الحملة الرئاسية، بالإضافة إلى ثمن أخطاء وقع هو فيها. وحين اشتدت الأمور أخذ يتذبذب في حملته بين سياسات متضادة.
الناخبون الأمريكيون اليوم يثقون بسياسة باراك أوباما الاقتصادية بشكل أكبر من سياسة ماكين الذي يرون فيه داعماً للأغنياء والمؤسسات الكبرى، غير آبهٍ بالفقراء ومتوسطى الدخل.
والتذبذب الذي حدث لماكين حدث لمؤيديه الذين أصبحوا يحثونه على الهجوم الشخصي على أوباما، رغم أن غالبية الشعب الأمريكي ضد ذلك التوجه. ثم بدأ مؤيدو ماكين يملُّون من متابعة السباق إلى البيت الأبيض ويشعرون بالإحباط، كما أن كثيراً من الاستراتيجيين الجمهوريين أخذوا ينظرون إلى أوباما كقائد، بشكل أكبر من ذي قبل، لأسباب قد يكون يأسهم من نجاح ماكين أحدها.
طلب جون ماكين تأجيل المناظرة الأولى بسبب الأزمة المالية التي تمرُّ بها الولايات المتحدة، على حدِّ قوله. وقد رأى البعض أنه كان متخوفاً من المناظرة. ومهما كان السبب فإن الناخب الأمريكي يجب ألا ينتخب مرشحاً لا يستطيع أن يتعامل مع عدد من القضايا في نفس الوقت.
أما الآن فاستبيانات الرأي تقول إن باراك أوباما قد حصل بعد المناظرة الثالثة على الأصوات التي يحتاج إليها للوصول إلى البيت الأبيض، حتى لو صوَّت المترددون جميعهم لصالح جون ماكين. هذا لو كان مقرراً للانتخابات أن تُعقد في ذلك اليوم. وعلى أية حال، فما زال أمامنا أسبوعان قبل يوم الانتخابات، وقد يحدث فيها الكثير، وتتغير أمور، ولو أن ذلك غير متوقع.
بقي أن نقول إنه بالإضافة إلى تقدم باراك أوباما على جون ماكين بين الناخبين الأمريكيين فإنه متقدم بشكل أكبر في استطلاعات الرأي في أوروبا وأنحاء العالم الأخرى. ورغم أن آراء غير الأمريكيين لا تؤثر في الانتخابات الأمريكية فإن نجاح أوباما سيُحسِّن من صورة الولايات المتحدة الأمريكية في الخارج، بعد أن تأثرت سلباً بشكل كبير في أنحاء العالم خلال السنوات الثماني الماضية.