جاء في الوقائع اليومية، المنشورة بالصحف منتصف الأسبوع الماضي، ما يفيد أن قراراً صدر من وكيل الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الدكتور (إبراهيم الهويمل)، يقضي بإيقاف أعضاء في الهيئة متهمين في حادثتي مطاردة ضد
مواطنين ومواطنات، جرت الأولى في الرياض والثانية في المدينة المنورة خلال الأسبوع قبل الفارط. الإيقاف - حسب ما جاء في الخبر المنشور - هو عن (العمل الميداني) فقط، حتى نهاية التحقيقات، حيث تم تشكيل لجنتين منفصلتين، الأولى خاصة بحادثة الرياض، والثانية خاصة بحادثة المدينة المنورة، في الوقت الذي يواصل فيه المواطنون والمواطنات المتضررون من مطاردات منسوبي الهيئة، والتصادم معهم، المطالبة بالتعويضات المادية عما وقع لهم من أضرار. (الوطن 13 أكتوبر 2008م).
* أعتقد أن مثل هذا القرار، هو في حد ذاته جيد إلى حد ما، مع أنه يمثل - من وجهة نظر خاصة - الحد الأدنى مما هو مطلوب في مثل هذه الحوادث، التي تسببت في أضرار معنوية ونفسية ومادية لمواطنين ومواطنات، لا ذنب لهم إلا أنهم وقعوا في دائرة شك وريبة وسوء ظن، من موظفين في مركزين للهيئة في كل من حي الملك فهد بالعاصمة الرياض، ومركز هيئة الجرف بالمدينة المنورة، أو من قبل متعاونين مع الهيئة، لا فرق في كلتا الحالتين، لأن جهاز الهيئة مسئول بداية ونهاية عما يصدر من قبله، سواء جاء الضرر من موظفين رسميين، أو متعاونين مع الجهاز، وأقول وأكرر هنا: (موظفين)، لأن جهاز الهيئة بكامل من فيه وما فيه، هو جهاز رسمي مثله مثل بقية أجهزة الدولة، المنوط بها مسئوليات وخدمات موصَّفَة ومحددة بموجب أنظمة الدولة، فمن تجاوز أو فرط، وجب إيقافه عند حده، ومحاسبته ومعاقبته وفق الأنظمة التي وضعتها الدولة، ولا يشذ من هذا أحد بخصوصية أو نحوها، ونحن لا نرضى أبداً، لهذا الجهاز الذي يخدمنا ونحبه، إلا أن يظل جيداً حسن السمعة، وهذا لن يتم، حتى يكون بكامله في قمة الالتزام بأنظمة الدولة، ورعاية مصالح المواطنين، لكي لا تتحول حالات الانفلات التي نشهدها بين وقت وآخر، من بعض عناصره الرسميين، أو المتعاونين معهم، إلى ندوب داميات في وجه جهاز الهيئة، وتشكل بالتالي، حواجز نفسية بين موظفيها وبقية شرائح المجتمع، الذي يقدر الهيئة، ويحترم دورها الكبير في حفظ الأمن الأخلاقي للمجتمع.
* في قضايا مشابهة.. إذا وقعت في أجهزة أخرى، يجري كف يد الموظفين المتسببين عن العمل بالكامل، وليس ميدانياً، حتى تتضح الصورة، فإما أدينوا وحُمِّلوا نتيجة أفعالهم، وإما بُرئوا وعادوا إلى مقار أعمالهم مرفوعي الرأس، ولهذا قلت: بأن إجراء مثل: (وقف عن العمل الميداني)، هو الحد الأدنى، تحت وطأة سؤال ملح: ما الفرق بين موظفي الهيئات وبين زملائهم في بقية الأجهزة يا ترى ..؟!
* لعل التعاطي مع حيثيات هاتين الحادثين، من قبل أمراء المناطق والجهات المعنية، وخاصة من قبل الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نفسها - وهو المؤمل والمنتظر منذ وقت طويل - يؤسس بداية صحيحة لفهم جديد في أداء كافة منسوبي الجهاز، لأن الأنظمة التي نعرف والذي يؤكد عليها بين وقت وآخر قياديون في الهيئة، تحضر ملاحقة ومطاردة الناس في الشوارع والميادين، ومع ذلك رأينا كيف تمت عملية ملاحقة ومطاردة من قبل سيارة هيئة في حي الملك فهد بالرياض فتسببت في حادث مؤسف، وكيف تسببت ملاحقة ومطاردة من مركز الجرف في المدينة المنورة، في صدم سيارة المطارَد، والاشتباك معه ومع زوجته، وهذه هي الحادثة الثالثة التي تصدر من قبل مركز الجرف، فقد تسبب الأول في وفاة عامل، وتسبب الثاني في مصرع أربعة أبرياء، ثم ماذا فعلت قيادة هذا الجهاز لإصلاح هذا الخلل الكبير في هذا المركز.؟ لا شيء..! فلم يحرك رئيسه على الأقل حتى اليوم.
* حتى لو افترضنا أن شكوك وظنون بعض موظفي الهيئة ومن يتعاون معهم صحيحة، فمن أعطاهم الحق بالمطاردة والملاحقة ..؟! أليست المطاردات بهذا الشكل المخيف، هي شروع في قتل ..؟! وقد حدث مثل هذا من قبل . والرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الشيخ (إبراهيم الغيث)، يكرر على مسامعنا منذ أكثر من عامين، بأنه لا يحق لموظفي الهيئة مصادرة جوالات الناس ومستلزماتهم وتفتيشها، وبأن المطاردة والملاحقة ممنوعة منعاً باتاً، فهل بعض المخالفين ممن يعمل تحت إدارته لا يعرف بهذه التعليمات، ولم يسمع بهذه التأكيدات..؟! هذا شيء غريب حقاً، فما جزاء الموظفين الذين لا يلتفتون إلى التعليمات الصادرة لهم من رؤسائهم..؟ الجواب ليس عندي بطبيعة الحال، والشيخ (إبراهيم الغيث)، أعرف منا جميعاً بالإجابة مثلما هو يعرف جيداً، النتائج الوخيمة لتجاهل الأنظمة وإلحاق الضرر بعدد غير قليل من مواطنين ومواطنات في هاتين الحادثتين المؤسفتين، وفيما سبقهما من حوادث في أكثر من منطقة، وما قد يأتي في مقبل الأيام لا سمح الله، إذا لم تجر جراحة فورية لهذا الجهاز، تستأصل من يسيء له من داخله، بعلم أو بدون علم منه.
* قلت في مقال سابق وأكرر هنا اليوم، قناعتي التامة؛ بأن الخطر الكبير الذي يهدد جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يأتي من منتقديها في مجالسهم أو في مقالاتهم، لأن كافة الأجهزة هي تحت النقد وليست فوقه، وإنما الخطر الداهم يأتي مع الأسف من داخل الجهاز . الذين يبررون تجاوزات وأخطاء الجهاز عن حب أعمى أو تعصب أو جهل. هؤلاء يشكلون خطراً أكيداً، والذين يتعاونون مع الجهاز، يدفعهم حماسهم غير المنضبط مع مخالفة صريحة للنظام، يشكلون خطراً هم كذلك، لكن الأعظم خطراً، هم بعض موظفي الجهاز، الذين يتحللون من قواعده المنظمة، ويتفلتون من توجيهات أمراء المناطق وتعليمات رؤسائهم، وينصبون أنفسهم مفتين متجولين في الشوارع، يتبنون رأياً فقهياً واحداً في ما هو مختلف عليه، ويريدون فرضه بالقوة.. قال الشيخ (إبراهيم الغيث)، في واحدة من توضيحاته في هذا الشأن، ونشر في إبريل المنصرم ما نصه: (مطاردة أي مشتبه، تعد أمراً محظوراً، والمتبع هو إبلاغ الجهات الأمنية في الشرطة والمرور، ودور الهيئة يتوقف عند تسجيل رقم اللوحة المرورية) . وبمقابلة هذا القول مع ما جرى ويجري في الميدان، لنا أن نطلب تفسيراً من الرئيس العام، الذي تنتهي إليه المرجعية الإدارية لهذا الجهاز.
* في الختام.. هناك من منسوبي جهاز الهيئة - وهم الأكثرية ولله الحمد - من يستحقون الشكر حقاً، لأنهم يعملون جاهدين على تفعيل الشق الأول من اسم الهيئة بكل خلق ومسئولية.. أعني: (الأمر بالمعروف) . الأمر بالمعروف، مقدم على النهي، وإذا جاء ب (معروف)، فهذه هي قمة التسامح الذي ننشده في جهاز الهيئة حاضراً ومستقبلاً.
assahm@maktoob.com