امتداداً لموضوع الأسبوع الفائت عن ذوقيات الأكل وكما وعدتكم سأتحدث اليوم عن بعض عجائب البوفيهات، حيث لفت نظري الغياب شبه التام لثقافة التعامل معها وإليكم شيئا من السلوكيات العجيبة التي رصدتها:
* بعدما نادى صاحب المناسبة داعيا الضيوف لتناول الطعام وفي تصرف هُتك به سترُ الذوق رأيت من يركض نحو البوفيه وقد برح به الشوق واستخفه الحنين وكأن مخمصة عنيفة أصابته ومسغبة أليمة حلَّت به! والعجيب أنه كان في قمة أناقته وأما عن شكله وهو يركض فلا تسل!
* من المتعارف عليه أن كل صنف من الطعام يوضع في طبق خاص به ولكن هناك من كسر القاعدة فأصبح من المألوف أن ترى أحدهم وقد حشد كل الأنواع في طبق واحد فقط واضعا فيه (السلطة والشوربة والرز والمشويات والفطائر والمرق وأحيانا الحلى) حتى يستحيل الطبق إلى هرم عظيم لربما حجب الرؤية تماما! وبعضهم قد ارتفع منسوب الحماس عنده فتجده يحمل طبقين أو أكثر مع بعضهما ويملأهما في وقت واحد، في منظر ينم عن حسن استشراف للمستقبل حيث الخشية من نفاد الكميات!
* وهناك من لم يطق صبرا ولا يحتمل بعدا قد استسلم للشوق واستكان للجوع فهجم على أطباق البوفيه هجوم الأسد الضاري والسبع العادي يأكل منه بيده دون حياء ولا ذوق! أما الأكل في الممرات فأمر عادي جدا فالوقت جدا طويل حتى يصل إلى الطاولة وكما يقال مقابل الجيش ولا مقابل العيش!
* ومن السلوكيات المؤذية الالتصاق بمن تقدم في الصف ولربما خطف أحدهم من يدك ملعقة الغرف وأنت لم تنته بعد! والأمر لا يستدعي البتة كل هذا الانضباط فوجود مسافة أمر ضروري في البوفيهات ولكن المشكلة الأساسية تكمن في انحسار الذوق!
* في أحد المطاعم البحرينية المميزة وضعت لوحة تحوي جملة ظريفة كتب عليه: شكرا لعدم إسرافك!! ومن الاستحالة أن تجد في أغلب البوفيهات عندنا طبقا قد أكل ما فيه ولا حتى نصفه! فالكثير ما إن يأكل لقمة أو لقمتين حتى ينهض كالملدوغ لإعادة الكرة مرة أخرى في تجسيد جلي لنظرية (حلل فلوسك).
* يقال إن هناك بعض العوائل تتناوب المهام وتتقاسم المسؤولية فمجموعة تذهب للمطعم ومجموعة تنتظر التموين الذي يأتي عبر شنط النساء التي تعود من المطعم وقد امتلأت بما لذا وطاب من الأطعمة من أطباق البوفيه!
* ومن المشاهد السلبية في البوفيهات أن ترى أحدهم وقد ظهر على تصرفاته ضعف ثقته بنفسه متوهما أن الجميع يراقبه ويعد أنفاسه لذا تجده متحفظا في أكله قد اشتهى الطعام وهفت روحه نحوه ومع هذا لا تمتد يده إليه! قد تورد خداه خجلا ورشح جبينه عرقا ورده الحياء على أن يأكل كفايته.
* إذا كانت العائلة قد حضرت بكامل أفرادها للمطعم تجد أن وقت بعض الآباء ضاع في الصراخ والخصام مع أولاده (اسكتوا، لا توسخون، فشلتونا، بسرعة خلصوا) وأنصح هذا الأب أن لا يتجشم عناء الحضور للمطاعم حيث تحولت المنحة إلى محنة والأنس إلى شقاء وتعاسة.
* أما عن وضع الطاولة بعد الانتهاء من الأكل فهي أقرب ما تكون لساحة حرب وميدان قتال! فالمناديل في كل مكان والشوك والسكاكين لا تدري أين ذهبت! وأما الأرض فقد تناثر عليها الطعام راسما لوحة فنية مدهشة!
ابتسم
أوصى طفيلي ولده وهو على فراش الموت قائلا: إذا دخلت يا بني عرساً فلا تلتفت تلفت المريب واقصد صدر المجلس وإن كان العُرس كثير الزحام فامض ولا تنظر في عيون الناس، فإن كان البواب غليظاً وقحاً فابدأ به أمرا ونهيا وبهذا يظنَّ أهل المرأة أنك من أهل الرجل ويظن أهل الرجل أنك من أهل المرأة.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7515» ثم أرسلها إلى الكود 82244
khalids225@hotmail.com