في العصر الذهبي للثقافة الإسلامية كان أعظم العلماء في العالم متواجدين بمنطقة الشرق الأوسط وكانت مكة محوراً اقتصادياً لا يقارن. كما أن كثيرا من الثقافة التي انتشرت في عصر النهضة في الرياضيات والفيزياء كانت تأتي من الشرق الأوسط. والآن أصبح هناك إجماع من قادة المملكة العربية السعودية بأن هناك بزوغا لفجر عصر ذهبي جديد تشهده المملكة عندما تتمكن هذه المنطقة مجدداً من أن تصبح مركزاً للأعمال والتجارة والتكنولوجيا. وإن التقاليد اللافتة للنظر هي التي جعلت المملكة على اتصال كبير وتام باتجاهات العولمة والنظام الجغرافي - السياسي الجديد.
إن المملكة العربية السعودية قد وهبها الله احتياطات ومخزونا من النفط الخام، وكواحدة من أكبر مصدري النفط الخام، فقد استفادت مالياً من الزيادة الأخيرة في أسعار البترول. هذا ومن المتوقع أن تصل موارد الدخل في عام 2008م مستوي غير مسبوق قد يبلغ أكثر من 260 مليار دولار مقارنة بالمتوسط الذي وصل تقريباً إلى 40 مليار دولار سنوياً خلال حقبة التسعينيات. أن هذا الربح هو مؤقت وأنه بمرور الوقت لا يمكن لاقتصاد المملكة العربية السعودية أن يحقق الغايات الاقتصادية الكبيرة من خلال البترول فقط. وهذا يفسر إقدام المملكة العربية السعودية علي الاستثمار في مشروع واسع النطاق من خلال بناء 6 مدن اقتصادية جديدة والتي يتوقع أن تصبح محوراً للشراكة العالمية والتي سوف تجذب قادة الأعمال والثقافة من جميع أنحاء العالم لمكان ذات منجزات كبيرة وحقيقية حيث ستلتقي العقول العظيمة في العالم للتعبير عن حقائق اجتماعية واقتصادية ملحة في هذا العصر. واستفادة من موقعها الجغرافي بين أوروبا وآسيا، فإن المدن الاقتصادية الجديدة تهدف إلى خلق روابط جديدة بين مراكز إدارة الأعمال والمعاهد الأكاديمية وشبكات التصنيع والسوق حول العالم بطريقة أكثر تنسيق وتركيز من ذي قبل. وذلك لأن المدن الاقتصادية هذه قد انطلقت في هذه اللحظة نحو التغيير الجغرافي السياسي والمؤسس العميق في ذات الوقت والذي من الممكن معه النجاح في تحقيق هذا الهدف. علاوة على ذلك، فإن المدن الاقتصادية الست الجديدة هي تجسيد للثقافة والفن الأبدي الدائم والسلام العميق وسكينة العقل والتي تأتي بالفهم والإدراك السليم.
ويعمل كل من خادم الحرمين الشريفين الملك / عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود بيقين تام على تنفيذ خطة طموحة هائلة لإنشاء ست مدن اقتصادية متكاملة خلال 10-14 سنة القادمة. وإن القرار ليكشف عن حكمة واهتمام بالغ ليس فقط بفائدة النفط ولكن أيضا بسكان المملكة والتاريخ ذاته. والمدن الاقتصادية الست هي (مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، مدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية مدينة المعرفة الاقتصادية، مدينة جازان الاقتصادية، المدينة الاقتصادية بالمنطقة الشرقية، ومدينة تبوك الاقتصادية (وتتوزع هذه المدن الاقتصادية علي مناطق منطقة مختلفة من المملكة وذلك من أجل الإسهام في التطوير والتنمية بشكل متوازن بين أنحاء المملكة والتي تواجه زيادة سكانية تمثلت كحافز كبير للتغيير الاجتماعي والاقتصادي. يجب أن لا ننسي أن نسبة 39% تقريباً من سكان المملكة ليوم هم تحت سن 14 عاما، وفي الواقع سيكون هؤلاء الشباب هم الثروة الحقيقية للمملكة في عالم ما بعد البترول. وأيضا أحدث الإحصاءات الرسمية للسكان والتي قام مكتب الأمم المتحدة للسكان بنشرها توضح أن سكان المملكة وصل حوالي 28 مليون نسمة (منهم تقريبا 6 ملايين أجانب) ولكن التنبؤات تشير إلى أن تعداد السكان بالمملكة سوف يصل تقريباً إلى 31 مليون نسمة عام 2015م وحوالي 37 مليون نسمة عام 2025م وحوالي 53 مليون نسمة عام 2050. وذلك يعني أنه سوف يكون هناك عدد كبير من السكان يبحثون عن فرص وظيفية وأنهم سوف يكونون بحاجة إلى تعليم للتنافس. وعن طريق تعليم وتثقيف ومنح السلطات والصلاحيات لهؤلاء الشباب وإدخالهم مبكراً في جو مراكز التميز في إدارة الأعمال والتجارة والعلوم والبحث والثقافة والتكنولوجيا سيكون هؤلاء الشباب هم الأكثر قدرة وإبداعاً في العالم. وعندما يصلون لسن العمل ستساعد المدن الاقتصادية الستة الجديدة في التأكيد علي فرص العمل والمستقبل الواعد الذي ينتظر الشباب. وحيث أن المدن الاقتصادية الستة الجديدة قد تأخر ظهورها قليلاً فيمكن لها أن تضع مكاناً أفضل بكل ماله علاقة بالأحداث اليومية أكثر من مراكز أخرى لإدارة الأعمال والتعليم. وعندما يأتي ذلك اليوم لن تكون المملكة العربية السعودية ركناً معروفا فقط من خلال مخزون الطاقة لديها وإنما ً ستكون القلب النابض لثقافة واقتصاد مزدهر يمتد عبر الشرق الأوسط وآسيا كلها.
(*)نائب رئيس المصرفية الاستثمارية
شركة الأهلي المالية
f.altouraif@ncb.com