الرياض - د. حسن الشقطي(*)
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع عند 6863 نقطة رابحا نحو 703 نقاط بعد الارتداد القوي الذي أحرزه في ظل المساعي المكثفة التي بذلتها عدة جهات حكومية سيادية لبث الطمأنينة وروح التفاؤل لدى المتداولين وحماية سوق الأسهم من ويلات الأزمة العالمية.. فبعد الخسارة التي أحرزها السبت تمكن المؤشر من الارتداد منذ الأحد الماضي حتى استطاع أن يعوض غالبية خسائره في الأسبوع الماضي.. واستطاع السوق تعويض حوالي 1049 نقطة من إجمالي خسائر 1644 نقطة، وهو نجاح يحسب للسوق المحلي، وخاصة مع قصر الفترة الزمنية للارتداد.. ورغم أن سلوك المؤشر كان مضطرباً يوم الاربعاء، إلا إنه تمكن من الإغلاق على صعود بفعل صعود بعض القياديات وعلى رأسها سابك.. ورغم ما يراه البعض من مساوئ للأزمة المالية العالمية، إلا إنها من جانب آخر ربما تقدم خيراً أكثر بجانب شرها، لأن الأزمات غالباً ما تختبر مدى كفاءة الأسواق.. كما تكشف نقاط قوتها وضعفها.. فماذا ستقدم الأزمة العالمية للسوق السعودي؟ هل قوة أم ضعفا؟.
المؤشر يتجاوز جني أرباح الأربعاء
كان من الطبيعي أن يحدث جني أرباح بعد الارتفاعات القوية التي حدثت للمؤشر يومي الاثنين والثلاثاء.. وفي الغالب أن هذا الجني حدث بفعل المشترين الجدد الذين دخلوا للسوق في هذين اليومين.. إلا أن تحرك سابك أدى إلى تماسك المؤشر مع نهاية الجلسة.. ويقود سابك هذه الأيام الترقب الشديد لنتائج أعمالها.. وقد تصدر هذه النتائج يوم السبت أو الأحد المقبل.. ولكن صدورها قد يتسبب في انحسار دورها الداعم للمؤشر خلال الأسبوع المقبل.
الأزمة المالية تلقي بظلالها على
نتائج أعمال الشركات للربع الرابع
هناك الكثير من الشركات لم تعلن عن نتائج أعمالها بعد، ومنها العديد من الشركات القيادية المهمة مثل شركات البتروكيماويات وبعض الأسمنتات أو الاستثمار الصناعي وغيرها.. وهذه الشركات في ضوء الأزمة المالية الحالية لا يتوقع لها نتائج إيجابية تفوق أوضاع الربع الثاني.. كما لا يتوقع أن يكون للأزمة أي تأثير قوي على نتائجها، رغم أن المخاوف السلبية قد تدور حول نتائج الربع الرابع. ومن أكثر الشركات التي قد تتأثر بنتائج الأزمة المالية مباشرة، شركات البتروكيماويات التي سوف قد تتأثر سلبياً بانخفاض أسعار النفط، وأيضا قطاع المصارف والتأمين والتي قد تظهر فيما بعد بعض التأثيرات السلبية نتيجة الارتباطات مع الاقتصاد الأمريكي والأوروبي. ومن جانب آخر، فإن الركود الاقتصادي العالمي من المحتمل أن يؤثر على بعض الأنشطة الاقتصادية في المملكة مثل البناء والتشييد والمقاولات ومن ثم الطلب على الأسمنت والمعادن وغيرها.. وبالتالي، حتى لو افترضنا أن نتائج هذه الشركات لن تحقق خسائر، فإنه لا يتوقع لها تحقيق أرباحا أعلى.. وبالتالي فإن توقعات النمو للشركات في الربع الرابع قد يتأثر سلباً بالأزمة العالمية.. لذلك، فإن فترة الارتداد الحالية تعد فرصة ذهبية لإعادة ترتيب المحافظ بشكل ينسجم مع التكهنات بتأثيرات الأزمة المالية على الأنشطة المختلفة.
المضاربة بالأزمة ثم المضاربة بالتطمينات
من الملاحظ أن سلوك المؤشر كان مبالغاً في استجابته للأزمة العالمية وأيضاً في استجابته للتطمينات الرسمية بعدها.. فرغم أن الأزمة العالمية لم تنته إلا أن ارتداد السوق أخذ منوالاً عنيفاً وخلال فترة زمنية قصيرة.. كما أن الارتداد كان بنسب مرتفعة خلال يومي الاثنين والثلاثاء لغالبية الأسهم الجيدة وغير الجيدة.. أي أن السوق لا يزال يخضع لمضاربات ولكن هذه المضاربات بدأت تشكل خطورة لأنها أصبحت تتطرق إلى استغلال حتى الأزمات العالمية.. بل حتى التصريحات الرسمية باتت تستخدم لتحقيق أرباح أعلى من قبل فئة على حساب فئات عديدة.
تراجع المؤشر و هيئة السوق المالية
من الجهات التي صمتت في أزمة سوق الأسهم خلال الأسبوع الماضي هيئة سوق المال.. فكيف ترى الهيئة أزمة السوق؟ هل ترى أنه ينبغي أن يكون المؤشر مرتفعا؟ هل تنزعج من تراجع المؤشر؟ ما هو موقفها من كل قاع جديد؟ لو أصبح أي منا فجأة رئيساً لهيئة السوق وحدث تراجع في المؤشر وظهر قاع جديد له.. في اعتقادي أنه سيحزن على المتداولين ولكنه في نفس الوقت سيسعد لتحسن حال السوق، فكل قاع يضيف للسوق قوة وليس ضعفاً.. وكل تراجع يعزز من استثماريته، وكل انخفاض في المؤشر بأزمة عالمية قد يكون أفضل كثيرا من الانخفاض بأزمة محلية.. وفي اعتقادي أن المستوى الحقيقي المستهدف للمؤشر من قبل الهيئة لم يتحقق بعد (وهذا لصالح السوق).. لذلك، ينبغي معرفة أنه حتى رغم ارتداد المؤشر بعد الأزمة، فإنها قد تركت قاعاً جديداً ينبغي الحذر بأنه مستوى جديد سيظل السوق يحوم حوله لفترة ليست قصيرة.. وتجربة المؤشر أصبحت واضحة للغاية.. نحن في مسار هابط طويل، وأي ارتداد حتى ولو استغرق شهوراً، فإن المسار الهابط البعيد لا يزال مستمراً، والسوق لم يحقق أي ارتداد حقيقي بعيد المدى منذ 26 فبراير 2006 وحتى الآن.
خلو السوق المحلي من الأصول الفاسدة
رغم التكهنات بإحراز غالبية الاقتصاديات الخليجية بعض الخسائر جراء الأزمة العالمية، إلا أنها من المحتمل أن تصبح من الوجهات الآمنة للاستثمارات الأجنبية في المستقبل نتيجة خلوها من الأصول الفاسدة، وكذلك لأنها لا تزال تمتلك فوائض مالية ضخمة واستثمارات واعدة.. ومن المرجح أن تكون المملكة من أكثر هذه الوجهات أماناً لضمان خلوها التام من الأصول الفاسدة.. ولعل كون نسبة كبيرة من التعاملات في المملكة هي تعاملات إسلامية، قد لعب الدور الرئيسي في حمايتها من الأصول الفاسدة.. ومن المتوقع أن يلعب ذلك دوراً مهماً في جذب العديد من المستثمرين الأجانب الذين ذاقوا ويلات الاستثمار في الاقتصاديات الغربية بأصولها السيئة.. أي أن الأزمة العالمية يمكن أن تحقق أثرين إيجابيين لسوق الأسهم السعودي، من ناحية أنها خفضت من قيمة مؤشره وبالتالي حسنت من مستوى استثماريته، وفي نفس الوقت ستجذب إليه المستثمرين الفارين من الغرب خوفاً من تداول أصول فاسدة من جديد.
أزمة سوق الأسهم مصدرها عالمي وحلها أيضاً عالمي
بدأ المحللون يبحثون في كيفية علاج أزمة تراجع مؤشر سوق الأسهم السعودي.. وأدلى كل بدلوه وقدم توصياته لصناع القرار تجاه علاج الأزمة.. إلا أن هؤلاء تناسوا أن الأزمة غير مرتبطة بسوق الأسهم المحلي، وأن تراجع السوق بنسبة 22% لم يرتبط بمسببات محلية، بل إن الأزمة عالمية ومصادرها عالمية والتوجس عالمي والذعر عالمي، وبالتالي إذا لم يهدأ هذا الذعر العالمي فلن تفيد أية إصلاحات أو مساعدات للسوق المحلي.. فحتى رغم الجهود الحكومية المكثفة لم يتحسن السوق إلا بعد هدوء البورصات العالمية.
هل انتهت الأزمة العالمية؟
رغم الصعود والارتداد ورغم أن حال السوق الآن جيد ورغم أن هناك فجوة للمؤشر يتطلب غلقها الصعود لمستويات أعلى.. إلا إنه ينبغي الحذر لأن الأزمة العالمية لم تنته، وسوف تستمر ساخنة لفترة 3 شهور أخرى تقريباً، وبالتالي ينبغي معرفة أن سوق الأسهم المحلي وكذا كل البورصات العالمية قد تكون معرضة لاضطرابات جديدة خلال الفترة القليلة المقبلة، وذلك حتى يكتمل تنفيذ خطط الإنقاذ الدولية المقررة ويتضح نجاح تأثيراتها.
(*)محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com