لقد تميز الإسلام في تشريعه وفي تطبيقه في العصر المحمدي وما تلاه من عصور ذهبية بأنه أعطى الإنسان وكفل له من الحقوق ما لم يتح في أي ديانة أخرى وهي حقوق تتمثل في كفالة الطعام والشراب والزواج وحفظ الدين والأنفس قال تعالى: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ. إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} ( قريش: 1-4) وقال تعالى: {لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقّ} (الإسراء: 33)
وحفظ الأموال قال تعالى: {َآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُم}(النور:33)
وقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون}(الأنعام:82 ).
وقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون} (النور:55)
وقوله صلى الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)
وقوله صلى الله عليه وسلم (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا).
وحقوق تتمثل في الأمن على العقول في إبداعها وتسخير منجزها لخدمة الإنسانية دون حيف أو زلل أو شطط أو تطرف.
وهكذا نجد أن هناك تطابقاً في المعنى مع اختلاف اللفظ بين مفهومي الأمن وحقوق الإنسان في الإسلام، بل إن الأصل والأشمل هو الأمن. والأمن بمفهومه الوارد فيما سبق هو الاطمئنان الناتج عن الثقة بالله وما سواه وما ينتج عن ذلك من راحة للنفس بل إن توفير الأمن في الإسلام يتجاوز الإنسان إلى كافة المخلوقات ومنها الطير والحيوان وحتى البيئة بمفهومها الواسع.
ولكن الإنسان هو المعني بالدرجة الأولى بالأمن باعتباره الأصل في تبليغ الرسالة وحفظها وعبادة الله وعليه فقد توسع المفهوم مع العصور والأزمان لنجد ما اصطلح عليه بالأمن الغذائي والأمن السياسي والأمن الفكري والأمن الثقافي والاجتماعي والأمن الوطني والأمن الدولي ومنها مجلس الأمن الدولي فتوفر الأمن للإنسان بمفهومه الخاص والعام هو أيضاً ضمان لحقوق الإنسان المختلفة. وليس المقام هنا للتفصيل في التداخل والمقاربة بين هذين المفهومين وأيهما يسبق الآخر أو أيهما شرط لتوفر الآخر فقد يقال: إن شعور الفرد في مجتمع ما بالأمن مرتبط بتوفر بعض حقوقه الأساسية مثل حقه في الأمن الغذائي وخلافه ولكن الغاية من هذه الوقفة هي مجرد الإشارة لبعض الجوانب المدركة لهذين المفهومين التي ترد في الكثير من الكتابات والمؤلفات عبر الصحف وغيرها وهي مدخل للحديث في موضوع هذا المقال.
ولقد تجلت المبادئ والتطبيقات المثلى للأمن في الإسلام في العصور الإسلامية الذهبية حيث تطابقت مفاهيم الأمن الشامل وحقوق الإنسان بمفاهيمها حتى الحديثة منها في ذلك العصر الذهبي من الإسلام في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وما تلاه من بعض العصور الزاهية وذلك مقارنة بما كان في عصر الجاهلية من جوع وخوف وقلق وعدم أمن وانتشار للمفاسد وانتهاك لحقوق الإنسان، ثم جاءت حقب تاريخية متفاوتة في تطبيقاتها لمفاهيم ومعاني الإسلام الصافية للأمن وحقوق الإنسان لكنها لم تكن بالمستوى الذي توفر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام والتابعين. إلى أن جاءت الدولة السعودية السنية وتبنت الشريعة الإسلامية دستوراً للبلاد بمفهومها الصافي وبرزت تطبيقاتها بشكل ملموس مع قيام الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله بتوحيد المملكة العربية السعودية حيث أولى جل الاهتمام لكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام وجعلهما دستوراً وشريعة وتحكيماً لكافة الأمور في بلاد الحرمين الشريفين مما حفظ لها أمنها واستقرارها. وواصل المسيرة على نفس النهج ملوك هذه البلاد من بعد المؤسس وكان محور الاهتمام لإنجاح الاستقرار والنمو هو حفظ الأمن ورعايته وحفظ حقوق الإنسان في إطار الدستور الشرعي الذي كفله النظام الأساسي للحكم.
ويعتبر صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية حفظه الله الذي يرأس وزارة الداخلية فيما يزيد عن ثلاثين عاماً مدرسة في بناء الأمن والرجال الموجهين والقياديين للأمن بمفهومه الواسع والشامل في هذه البلاد.
وقد رسخ وجسد معنى الأمن وتطبيقاته بالمفهوم الصحيح والذي ينطلق من مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة التي أشرت إليها في بداية المقال وجعل من جهاز وزارة الداخلية مدرسة تزخر بالرجال القياديين والمستشارين الأفذاذ والأكفاء في توجيه وحماية أمن الوطن والمواطن وعقيدته ودينه ونموذجاً تحتذي به كافة الأجهزة والقطاعات الأخرى التي تستمد منها التوجيه والعون والمساعدة في تحقيق هذه الأهداف الرشيدة حتى أضحى الأمن والاستقرار للوطن والمواطن نموذجاً ومثالاً يضرب على المستوى العالمي.
إن الحديث عن نايف بن عبدالعزيز الإنسان المسؤول رمز الأمن والأمان بعد الله في هذه البلاد بتوجيه من القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده يقتضي إلقاء الضوء على بعض المنجزات التي تبناها أو أسس لها أو رعاها أو أشرف عليها والتي تدلل على معنى السمو ومعنى القيادة والإدارة والرسالة السامية لهذا الإنسان المتفرد والقيادي المتميز والتي مهما أوردنا من الألفاظ والإطراءات المختلفة قليلة في حقه وقدره.
وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد:
جائزة نايف بن عبدالعزيز للسنّة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة التي أنشأت قبل عدة سنوات ووصل صوتها وصيتها إلى أقطاب العالم الإسلامي بل وأن رسالتها تتعدى وأهدافها حدود العالم الإسلامي إلى العالم الأرحب والأكبر متوافقة مع رسالة الإسلام والسنة الخالدة.
حيث إن أهداف الجائزة هي:
1- تشجيع البحث العلمي في مجال السنة النبوية وعلومها والدراسات الإسلامية المعاصرة.
2- إذكاء روح التنافس العلمي بين الباحثين في كافة أنحاء العالم.
3- الإسهام في دراسة الواقع المعاصر للعالم الإسلامي واقتراح الحلول المناسبة لمشكلاته بما يعود بالنفع على المسلمين حاضراً ومستقبلاً.
4- إثراء الساحة الإسلامية بالبحوث العلمية المؤصلة.
5- إبراز محاسن الدين الإسلامي الحنيف وصلاحيته لكل زمان ومكان.
6- الإسهام في التقدم والرقي الحضاري للبشرية.
وتضم الهيئة العليا للجائزة بالإضافة إلى راعي الجائزة وأصحاب السمو الملكي الأمراء أبناء مؤسس الجائزة وأعضائها نخبة من العلماء والمفكرين والمسئولين على مستوى العالم الإسلامي والجميع يعمل لتحقيق أهداف الجائزة ورسالتها السامية وهي في نهاية الأمر تصب في خدمة السنة النبوية وهذه لعمرى من أسمى الأعمال وأجلها عند الله تحسب إن شاء الله لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وجعلها الله في ميزان حسناته حيث الأمن وحقوق الإنسان في الإسلام وفي السنة النبوية تحظى بالاهتمام الأبرز في الأهداف والجوائز التي تخصص سنوياً من قبل الجائزة.
ومما يلفت الانتباه ويعطي دلالة على عناية الجائزة بالمفاهيم المعاصرة والصحيحة للسنة ويرتبط مباشرة بهذه المناسبة الكريمة للندوة التي تقام في جامعة أم القرى أن أول موضوع اختير لجائزة الأمير نايف في دورتها الأولى كان عن (عناية السنّة النبوية بحقوق الإنسان) وهكذا نجد أن رسالة الجائزة وأهدافها هي مما جسده نايف بن عبدالعزيز في المفهوم الشامل والجامع للأمن وحقوق الإنسان.
وان رئاسة ورعاية ودعم صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز لمجلس إدارة جامعة نايف بن عبدالعزيز العربية للعلوم الأمنية وما تتضمنه من أهداف وكذلك رسالتها التي تعتبر منارة إشعاع وبيت خبرة للأمن والتدريب ليس على مستوى العالم العربي وحسب بل وعلى مستوى العالم لمثال آخر لتجسيد سموه لمفهوم الأمن والأمن الفكري على وجه الخصوص حيث مئات الأبحاث والدراسات والعلماء والخبراء تزخر بها هذه الجامعة يستفيد منها كافة المسؤولين والقطاعات المختلفة على مستوى الوطن العربي.
إن مواقف صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز ورؤاه لحقوق الإنسان بصفة عامة ولحقوق المتهم بصفة خاصة لا تنفك عن تطبيقاته وممارساته في مجال القطاع الذي يرأسه وهو أهم قطاع في البلد الذي يحمي الأمن ويصونه، بل إن آخر تصريح رسمي لسموه في حفل استقبال سموه للمعايدين في العيد من منسوبي الوزارة وغيرهم من المواطنين والمهنئين بعيد الفطر ليؤكد بأن من حقوق المتهمين ألا يصدر أي إجراء عقابي بتجاههم إلا بناء على حكم قضائي شرعي، وهذا رمز حقيقي لسياسة الوزارة بتوجيه سمو الأمير نايف في حفظ حقوق المتهمين.
وإنجازات الأمير نايف بن عبدالعزيز التي يصعب حصرها أو الحديث عنها في مناسبة أو عدة مناسبات والتي تجسد وتدلل على صواب وصلاح الغايات والقيادة لأمن هذا البلد تعد بالمئات وما ورد ما هي إلا أمثلة فقط ولو أردنا إضافة بعضها لحضرنا مواقف سموه الكريم في العطاء والسخاء ونصرة المظلومين وحتى أولئك المشبوهين أو حتى المتهمين لا يسمح سموه بمعاقبتهم أو مجازاتهم إلا وفق الأحكام الشرعية التي تعتبر دستور هذه البلاد التي يصدر بحقها حكم شرعي.
فهنيئاً لجامعة أم القرى ومنسوبيها التي تتشرف بزيارة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ورعايته لندوة الأمن الفكري وحقوق الإنسان وهنيئاً لهذه الجامعة التي تشرفت بمنح سموه الكريم درجة الدكتوراه الفخرية في السياسة الشرعية قبل عدة سنوات.
وبالله التوفيق..
عميد معهد البحوث العلمية بجامعة أم القرى