يتعرض الإنسان للمرض جسدياً ونفسياً كما ينعم بالصحة وفق ما قدر الله وشاء، وعن الأمراض النفسية ومنها الخوف تضمن القرآن الكثير من البيان، وقبل استعراض ذلك فإن تعريف الإنسان، وفق ما جاء به القرآن الكريم في قوله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} |
(26) سورة الحجر، وقوله عز وجل: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} (4) سورة النحل، وقوله عز من قائل: {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} (28) سورة النساء، وقوله: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (34) سورة إبراهيم، وعما يصيبه من حالات نفسية ندرك ارتباط ذلك بتكوين الإنسان وما عرفه به القرآن الكريم من ضعف وظلم ويأس إلا من رحم الله بإيمان راسخ يحصنه من يأسه وظلمه لنفسه.ومن البديهي أن ما يصيب الإنسان في جسده أو نفسه له أعراض وأوجاع، وأول هذه الأعراض الألم، ولقد ذكر الحكيم العليم في سورة النساء قوله: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (104) سورة النساء، وقوله عز وجل: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (5) سورة التغابن، وربما أن الخوف بأنواعه أشد وطأة على الإنسان، فهو في قلق دائم وعلاقته بالمستقبل يكتنفها وهم حول المجهول، فكل قادم مجهول يؤرقه بدرجاتٍ تتفاوت، ولكن في أضعف الحالات فإن القلق بخوفٍ ووجلٍ صفة ظاهرة، ولقد ذكر الخوف في كثيرٍ من الآيات، ومن ذلك: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (7) سورة القصص، وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} (103) سورة هود، وقوله: {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (182) سورة البقرة، وقوله:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} |
(46) سورة الرحمن {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي |
وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا} (5) سورة مريم، وقوله: {أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } (26) سورة هود، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} |
(30) سورة فصلت، والخوف أن يتوقع المرء مكروهاً |
أو شراً بتلازم اليأس، فمعظم ما يتوقعه يدعو إلى الخوف والرهبة، مثل أن يقلق على عزيز لديه من الموت أو المرض الذي يسارع بالتفكير فيه كما لو أنه متأثر من الحدث في يوم وساعة محددة، وهو عن العلم به أبعد من اليقين. |
والوفاة حقيقة ينتظرها كل الخلق، وليس من أثر للخوف على حدوثه، والممكن أن يأمل الإنسان في المزيد من الصبر والإيمان، وأن يدرك أن مأساة الموت الظاهرة الفراق، وماعدا ذلك فسنة الخالق رحمة بالعالمين، ولابد أن يعاني الإنسان الخائف من الإحباط أكثره من واصل الخوف ووهم التوقعات، ومن ذلك قوله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (217) سورة البقرة، وقوله: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (5) سورة المائدة، وقوله: {ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (88) سورة الأنعام، وقوله: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (16) سورة هود، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} |
(2) سورة الحجرات، وقوله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى |
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (65) سورة الزمر، والإحباط ذلك الذي لا يأتي بنتيجة إيجابية فيذهب أمره سدى، إنه انفعال نفسي تتداعى معه حالات من القلق وكثير من الحسرة. |
ومن توابع الخوف حالات الحزن الذي يقود إلى الكآبة ليعيش في عزلة عن حياته والناس ملتصقاً بأحاسيس الذات المؤلمة، فالحالة خوف وإحباط وقلق، والحزن من تلك الأعراض. |
وفي متن القرآن الكريم ذكر للحزن في قوله عز من قائل:{قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (38) سورة البقرة وقوله: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (48) سورة الأنعام، وقوله: {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (65) سورة يونس، وقوله: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}(84) سورة يوسف، وقوله: {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى}(40) سورة طه. |
كما أن تلازم القلق بالخوف والخوف بالقلق تعبير عن الإحساس بعدم الطمأنينة، فإنهما وجهان لعملة واحدة، والقلق في اللغة بمعنى الحصر، وقال المولى عز وجل {إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً}(90) سورة النساء، وقوله: {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} (8) سورة الإسراء، والحصر بمعنى الضيق والهم (ضيق الصدر) يصاحبه حرمان من الاستمتاع الطبيعي بمباهج الحياة، فالزمن ظلام دامس في وضح النهار، وصاحبه في مهب لريح الخوف فلا أمن ولا طمأنينة ولا أمل ولا تفاؤل، حيث يخبو الإحساس بذلك ليسود الحصر، فالألم والمعاناة يجعلان من الحالة النفسية ما هو أشد إيلاماً من الأمراض الجسدية. |
ومما سبق بيان الخالق في خلقه بزوال الطمأنينة واستقرار النفس ليحل الخوف وما يصاحبه من قلق وإحباط وحزن ويأس، وبيانهم كحالات مع تفاصيل بعضٍ من قصص القرآن الكريم وفي ذلك عبرة ودروس ودعوة إلى فضل الإيمان بالله، وما تعمر به النفس من أمنٍ وسلامٍ. |
وفي هذا نجاة للإنسان من مخالب الشر الكامن في النفوس، فالخطيئة تتوارى والخير يعم بالحد الممكن، فطوبى لمن عمرت نفسه بالمزيد من الروحانيات وعمق الإيمان، فالإسلام نعمة أن نكون به مسلمين، والجهاد والمجاهدة في أن نصل بإسلامنا إلى التقوى الإيمان ومحبة رب النعم ورسوله العظيم. |
وفي اجتهاد البشر وحكمتهم إحساس وتنفيس وخبرة، فقالوا: |
لاتكونن للأمور هيوباً |
فإلى خيبة يصير الهيوب |
وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى |
ولا الأمن إلا مارآه الفتى أمناً |
|
إذا فزعنا فإن الأمن غايتنا |
وإن أمنا فما نخلو من الفزع |
وشيمة الإنس ممزوج بها ملل |
فما تدوم على صبر ولا جزع |
|