وصلنا من مدير عام القناة الأولى بالتلفزيون السعودي سليمان بن عبد الرزاق الحمود، رداً على ما كتبه الزميل علي العبد الله في منتصف رمضان الماضي .. وفي ما يلي نصه:
إشارة إلى ما كتبه الأخ علي العبد الله في جريدتكم الغراء بتاريخ 14-9- 1429هـ تحت عنوان (إلى متى سيظل تلفزيوننا يغرِّد خارج السرب)، زعم فيه أنّ التلفزيون السعودي قد بدأ يفقد الكثير من متابعيه، وأنّ هناك محاولات تصحيحية قام بها بعض المسؤولين لوضع استراتيجيه جديدة، إلاّ أنها مغلّفة بحذر شديد وفيها القليل من الانفتاح، وأنّ التلفزيون أصبح خارج السرب حتى في نقل الصلوات الخمس والتراويح لم يعد له مكان في ظل وجود قنوات أخرى تنقل هذه الشعائر الدينية، وأصبح التلفزيون السعودي على حدِّ زعمه، يعتمد على البرامج المعلّبة التي لم يعد لها وجود في قاموس القنوات، ويجزم بأنّ الأعمال الدرامية المقدمة في الفترة الذهبية ليست بالمستوى المطلوب ... إلى آخر ما جاء في مقاله.
ولأنّ ما قاله الكاتب يجانب الصواب، وإحقاقاً للحق فقد أحببنا أن نوضح للقارئ الكريم النقاط التالية:-
1- يقرر الكاتب أنّ التلفزيون السعودي بدأ يفقد الكثير من متابعيه، ويكفينا للرد على هذا الزعم أنّ هناك دراسات وبحوث حديثة قامت بها شركات متخصصة في هذا المجال، أثبتت أنّ التلفزيون السعودي يحظى بكثافة مشاهدة عالية من الداخل والخارج، وبغضّ النظر عن دقة هذه الدراسات ومصداقيتها إلاّ أنها تظل مؤشراً للاستدلال لا بديل عنها في يد المتلقي إلاّ الانطباعات والتخمينات، وإن كانت كل قناة تلفزيونية لديها من الأدوات ما يكفي لتحسس مكانتها بين القنوات الأخرى، وندرك تماماً أننا لم نعد بالساحة بمفردنا، ومن الطبيعي أن تذهب نسبة من المشاهدة لغيرنا، كما أنّ ظهور القنوات المتخصصة (رياضة، أفلام، منوعات، دينية)، قد اجتذب فئة من المشاهدين تؤطر نفسها باهتمامات محددة، ومشكلة هذه الفئة من المشاهدين أنّها تنصرف عن القناة العامة إلى القناة المتخصصة وفقاً لميولها، ناهيك عن المشاهدين الذين يبحثون عن الإثارة غير المنضبطة وتجذبهم القنوات التي تنتهج نهج (الصحافة الصفراء)، وهذه الفئة لا تجد ضالتها في القنوات الوطنية التي تستشعر المسؤولية الاجتماعية، وأهمية المصداقية العالية فيما تبث من أخبار ومعلومات، وهنا يحلو للبعض أن يصف القنوات الوطنية بالرتابة وعدم التجديد والنمطية، وعلى ضوء ما تقدم يمكننا تأكيد أنّ التلفزيون السعودي لا يزال يحظى بنسب مشاهدة عالية تؤرق القنوات المنافسة، وتدفعها للبحث عن كل الأسباب التي قد تعينها على سحب البساط من تحت أقدامنا، ولكن الأيام أثبتت عجز تلك القنوات عن ذلك.
2- فيما يتعلق بأنّ هناك محاولات تصحيحية لوضح استراتيجية جديدة، وأنّ هناك بعض التعديلات والتغييرات المغلّفة بحذر شديد وفيها القليل من الانفتاح، فهنا نقول إنّ التجديد مطلوب في كل الأحوال وهذا ما حدث مؤخراً في شكل البرامج والشارات والفواصل، أما الحديث عن الانفتاح، فكما يعرف الجميع بأنّ المجتمع السعودي مجتمع متحرك وليس مجتمعاً جامداً، حيث أنه يتأثر ويؤثر بمن حوله، مما يتطلّب أن يكون التلفزيون وعاء للتثقيف والتنوير والحفز على المشاركة الاجتماعية، بما يتفق مع وتيرة التغيرات والمستجدات، وهو الدور المنوط بوسائل الإعلام المختلفة بالتكامل مع مؤسسات المجتمع الأخرى، بهدف ضبط إيقاع الانفتاح بما لا يتعارض مع ثوابت المجتمع التي حدّدها لنا الشارع الحكيم، وما يميِّزنا من عادات وتقاليد عظيمة، والتي لا يُعد تجاوزها انفتاحاً بل انحرافاً.
3- الحديث عن أنّ التلفزيون خارج المنافسة حتى في النقل التلفزيوني الحي للفروض الخمسة وصلوات التراويح، حيث إنّ هناك قنوات أخرى تقوم بنقل هذه الشعائر، وهنا نؤكد أنّ التلفزيون يتشرف ببث هذه الشعائر إلى بقاع الأرض لنشر الرسالة الإسلامية السامية متجسّدة بنقل شعيرة هي عمود الدين، ويسرنا أنّ جميع القنوات التلفزيونية التي تنقل الصلوات بشعار التلفزيون السعودي تشاركنا وبإرادتنا التامة النقل المباشر للصلوات لتعم الفائدة المرجوة من نقل هذه الشعيرة العظيمة، ونود هنا أن نصحح للكاتب أنّ التلفزيون لا ينقل الصلوات الخمس بل ينقل صلاة الفجر وصلاتي المغرب والعشاء، ويضاف إليهما في رمضان المبارك صلاة التراويح ثم صلاة التهجد، ويؤسفنا أن نقول إنّ الكاتب هنا كشف عن موقف سلبي مبيت تجاه التلفزيون السعودي، فإتاحة التلفزيون السعودي للقنوات الأخرى أن تشاركه في نقل الصلوات الأخرى لا يقلل من دوره العظيم وتحمله للتكلفة المادية الكبيرة، وهو يسخِّر طاقاته الفنية والبشرية لنقل الصلوات وغيرها من الشعائر الدينية، ويسمح للقنوات الأخرى بنقلها معه دون مقابل، وبهذا فإنّ التلفزيون السعودي هو الناقل الوحيد، وكيف تتفوّق القنوات الأخرى وهي تأخذ من مخرجات كاميراتنا الوحيدة بالحرمين الشريفين، وكوادرنا البشرية هي الوحيدة أيضاً المتواجدة داخل الحرمين، إذن زينت ما يشاهده الكاتب على القنوات الأخرى وهي تنقل الصلوات عين الرضا التي هي عن كل عيب كليلة، والعشم أن يكون الكاتب الصحفي منصفاً، حتى يكون لما يسطره قلمه أثر وفائدة.
4- يزعم الكاتب أنّ التلفزيون بات يعتمد على البرامج المعلّبة التي لم يعد لها وجود في قاموس القنوات التلفزيونية، والحقيقة أنّ هذا الأمر غير صحيح وخاصة أنّ التلفزيون قام هذا العام بإنتاج برامج ثقافية على مستوى عالٍ من حيث الفكرة والمضمون والشكل، مثل برنامج (وجوه وأماكن) الذي يطوف بالمشاهد في رحلة سياحية إلى بلاد العالم، للاطلاع على الثقافات الأخرى والمواقع التاريخية النادرة، وبرنامج تراث الذي يرصد الموروث العالمي، وبرنامج التسامح الديني، هذه أمثلة مما عرضه التلفزيون في رمضان المبارك هذا العام 1429هـ عبر شاشة القناة الأولى، وجميعها برامج سجلت حديثاً، وغيرها كثير من البرامج التي تم مراعاة الجوانب الإبداعية في مضمونها وشكلها، ونحن بالقناة الأولى كجزء من منظومة التلفزيون السعودي، قدّمنا خلال شهر رمضان المبارك أربع مسابقات تبث على الهواء مباشرة، وهي على التوالي (مسابقة الأطفال: نورت المملكة، المسابقة القرآنية، مسابقة اعرف المثل، مسابقة حقق حلمك)، وبلغت مجموع جوائزها أكثر من مليوني ريال، كما قدمنا في شهر رمضان المبارك أيضاً البرنامج المباشر (بالقرآن نحيا) وهو على نمط تلفزيون الواقع. أما الدورة البرامجية العامة فهي حافلة بالبرامج التي نأمل أن يكون لدى الكاتب متسع من الوقت خلال الأشهر الماضية لمتابعتها، ما لم يكن من أولئك الذين ينتقدون التلفزيون السعودي دون أن يروه.
5- ما يتعلق بالنمطية في برامج المسابقات والأسلوب القديم في التقديم وأنها لا تحمل عنصر المفاجأة أو الإبداع في الإعداد، فالحقيقة أنّ التلفزيون يحرص دائماً على التجديد، وفي هذا العام لاحظ الجميع التجديد في الأفكار لهذه البرامج، حيث إنّ مسابقة (حقق أحلامك) هي مسابقة جديدة في فكرتها، حيث تعتمد على إبراز جانب التفاعل الخيري في مجتمعنا من خلال مساعدة عدد من المشاهدين في تحقيق أحلامهم المشروعة، والتي تراوحت بين الزواج وترميم المنازل والمساعدة على تأسيس محل صغير يؤمّن لصاحبه دخلاً يعينه في حياته ... الخ، وجاء برنامج (اعرف المثل) أيضاً جديداً في فكرته على الأقل بالنسبة لمشاهدي التلفزيون السعودي.
6- أشار الكاتب إلى أنّ الأعمال الدرامية التي عرضت في الفترة الذهبية من رمضان ليست بالمستوى المطلوب، والواقع أنّ مسلسل (حارتنا حلوه) يحمل أفكاراً ومضامين هادفة متمثلة في أنّ السعادة الحقيقة ليست في المال والجاه، وإنما في حب الخير ومساعدة الآخرين، ومسلسل (عسى ما شر) والذي يميل إلى الفكاهة فمن خلاله وظفت الكوميديا لمعالجة الكثير من السلبيات التي يمارسها بعض البشر، حتى أن الجن تسخر منها ولا تفهم لماذا يمارسها الناس، ومن خلال المسلسلين تم مراعاة التنوع ما بين الاجتماعي الخفيف والمسلسل الفكاهي الفتناري، والمشاهد الكريم والكاتب أيضا مدعون للمقارنة بين هذين المسلسلين والمسلسلات التي عرضتها القنوات الأخرى، لقد حققنا بفضل الله تفوقاً ملحوظاً وهذا ما قاله المنصفون، وبين هؤلاء وأولئك استشعرنا الارتياح النفسي تجاه ما قدّمناه، ولن يثني عزيمتنا بعون الله شيء عن مواصلة التقدم، وستروننا إن شاء الله نسير بخطى متسارعة نحو البقاء في الصدارة، وفي هذا الصدد نقول لقد غفل الكثير من النقاد هذا العام عن أنّ جميع المسلسلات التي عرضت على شاشة القناة الأولى كانت منتجة لحساب التلفزيون، وكان بعضها من أميز الأعمال التي صافحت عيون وأذهان المتلقين العرب، ولكم أن تضيفوا إلى المسلسلين السابقين مسلسل غلطة نوف الذي نجح بكل المقاييس، وكذلك مسلسل (ابن قزمان).
سليمان بن عبد الرزاق الحمود
مدير عام القناة الأولى
***
مع تقديري البالغ للزميل المخضرم سليمان الحمود، إلاّ أنّ ردّه هذا والذي جاء (متأخراً) حمل في مضامينه دروساً وعبر ولم يحاول الرد بالأدلة والبراهين التي تدفع ما كتبه الزميل علي العبدالله ونشرناه في مساحة صغيرة حينها.
القارئ والمشاهد لم يعد يرغب في اللعب على وتر الوطنية، ولم أكن أرغب أن يدخل الأستاذ سليمان في النوايا حين اتهم الزميل علي بأنه كشف عن موقف سلبي مبيت تجاه التلفزيون السعودي وهذه المفردات التي مللناها، ومن الحكمة أن يعامل المتنافس منافسيه بشيء من الاحترام والتقدير، ونحن لم نورد قنوات الفسق والمجون كدليل على التفوق، ولكننا نقصد قنوات أخرى حكومية وخاصة. وهو أيضاً جاء متناقضاً في حديثة حين أشار إلى أنّ دراسات وبحوث حديثة قامت بها شركات متخصصة في هذا المجال أثبتت أنّ التلفزيون السعودي يحظى بكثافة مشاهدة عالية من الداخل والخارج .. الخ، ثم لم يخفِ عدم قناعته بها حين قال (وبغض النظر عن دقة هذه الدراسات ومصداقيتها إلاّ أنها تظل مؤشراً للاستدلال لا بديل عنها في يد المتلقي إلاّ الانطباعات والتخمينات).
ثم إننا هنا نرغب من الأستاذ سليمان الحمود أن يعطينا براهين على فقرته السادسة في الرد وما هي معايير نجاح المسلسلات عنده وكيف حققت نجاحاً كبيراً بكل المقاييس، فربما جهلنا ما يعلم وخفي علينا، وكيف غفل النقاد عن أنّ المسلسلات هي من إنتاج التلفزيون الذي تسبب في هذه (الغفلة) واكتفى بكتمان الأمور عن الجميع فترك حابل التخمينات على نابلها.
نحترم التلفزيون السعودي كجهاز رسمي حكومي إعلامي نعتبره جميعاً (مِلكاً) لنا ولا نزايد عليه.
المحرر الفني