في الخبر الذي بثته وزارة الداخلية يوم الثلاثاء الماضي عن هوية وأسماء بعض ممن تورطوا في الأعمال الإرهابية الموجهة إلى نحر الوطن، استوقفتني في ثنايا الخبر بعض التفاصيل المرعبة، والتي منها أن أحد الأفراد قد قام بإعداد وتفخيخ عدد 6 سيارات أحدها كانت السيارة التي دمرت مبنى المرور.
الخبر على فظاعته إلا أنني أجد له شقاً إيجابياً، فالكثير منّا بات يعلم أن المحيط الاجتماعي الذي يستقبل هذه الأخبار قد اختلف تماماً عنه في السابق وتجاوز الجميع مرحلة الشك والحيرة الذاهلة إلى مرحلة الوعي المقر بفداحة المصيبة، وبات هناك عملية فرز واضحة تحدد أبرز ملامح المروجين للعنف والقتل والدمار أصحاب الأجندة السياسية الذين يتوارون خلف الطروحات الدينية، ويقومون باختطاف الشباب من صدور أمهاتهم لقذفهم في مرجل الموت.
ليس على المستوى المحلي فقط، بل أيضاً على المستوى العربي، فأرض العراق المحتلة من الجيش الأمريكي، كان من الممكن أن تتحول إلى معسكر تدريب ملتهب لمنظمة القاعدة وجميع الفصائل التي تستقطبها وتنضوي تحت لوائها، ولكن تكون جيش الصحوة في العراق كبح من ذلك الأمر، وقام جيش الصحوة الوطني بسواعد أبناء العراق، بحماية العزل من المدنيين، من طوفان رهيب من التفجيرات والقتل والتدمير الذي أعمل يديه في أبناء العراق لفترة طويلة.
جميعنا نعلم بأن موجة التعصب والتشدد والتنطع التي اكتسحت العالم العربي في السنوات الماضية هي آخذة في الانحسار, بعد أن بات هناك إجماع شعبي شبه كامل على خطر هذه الجماعات وطروحتها المتزمتة على مستقبل المكان ومشروعه النهضوي.
وإن كان الزمن دوماً هو أفضل الحلول، لكن على مستوى آخر لا بد ألا يترك المكان أو الفضاء الثقافي أو الفكري للفراغ أو الهباء، فيصبح البديل الوحيد هو ثقافة استهلاكية هشة تروج للجشع والشرة للاقتناء المصاحب بالخمول وغياب الهمة والابتعاد عن الانخراط في مشروع وطني بأهداف كبرى.
الفراغ الثقافي والفكري لا بد أن يدعم بطروحات دينية مستنيرة مستجيبة للعصر وشروطه، لا بد أن يفتح المجال للمشاريع الوطنية الكبرى القادرة على تكوين منظومة ثقافية مترابطة متماسكة، تؤمن بالغد والتفاؤل تعشق الوطن وتتقدمه في دروب المستقبل.
أيضا لا بد أن يكون هناك تفعيل واضح للأدوار التي من الممكن أن تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني من خلال قدرتها على استيعاب واستثمار الطاقات الشابة في العديد من المشاريع الوطنية البناءة والفاعلة والقادرة على تجذير انتمائهم وغرس عروقهم في تربة المكان.
تفاؤلاً ان كنا نرى بأن الغمة الإرهابية في طريقها إلى الزوال والانحسار فإننا من ناحية أخرى لا نلمح بدائل من الممكن أن تملأ هذا الفراغ في محيط يمثل فيه نسبة الشباب ما يفوق 60% من مجموع السكان، وفترة الصبا والشباب دوماً هي الفترة الحرجة المليئة بالأسئلة والغموض والرغبة في الاكتشاف.
اليقظة.... من الصحوة بحاجة إلى مكبرات صوت تنقل لنا أذان مرتفع رخيم رحيم يشق ظلمة أطبقت على المكان لأجيال طويلة.