إلى العزيزة الغالية أم أيمن.. بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على اشتباكنا بشجرة الحب والوفاء..
المشهد الأول:
** العقود الثلاثة مرت..
كطيف لطيف.. وبرق خفيف..
وحلم سعيد..!
أفقت على فورة الحلم.. قلت:
حبيبة قلبي، ومصباح ليلي المضيء..
رفيقة دربي، وصبح نهاري الوضيء..
قفي..
دعينا نعيد شريطاً من الذكريات..
ونبدأ مشوارنا من جديد..
التفتنا إلى الخلف ماذا رأينا..؟!
رأينا جبال الوفاء تلوح على وقع خطواتنا..
رأينا سدوداً من الصبر والصمت تخفي تلال خلافاتنا..
رأينا ثلاثين حقلاً موزعةً في جميع محطاتنا..
ثلاثين حقلاً تمور بظل النخيل..
وماء الكروم.. وعطر الزهور..
وطعم الجنى، والحصيد..
رأينا جموعاً من الكائنات الجميلة
تقفوا خطانا..
الفراش يكللنا..
والغمام يبللنا..
واليمام يغنِّي لنا.. ويظللنا..
وكوكبة من نجوم المجرة تشبهنا..
وتقرأ سيرتنا.. وتعيد..
جلسنا على تلة في الطريق..
ضممت حبيبة قلبي..
سألت رفيقة دربي..
ألا تذكرين زيارة أمي لكم..؟!
ألا تذكرين دخول (سهيل)
إلى حيِّكم..؟!
حاملاً كنز أحلامه كمهر كبير لكم..
وهل تذكرين حديث الخطوبة..
حين طار اليمام.. وثار الغمام بمجلسكم..؟!
عانقتني الحبيبة، واستغرقت
في البكاء..
(بكينا معاً.. غفونا معاً.. وأفقنا معاً)
حين مرت علينا فصول مراحلنا..
وحين استعدنا جميع المشاهد عيداً.. فعيد..
بكينا معاً.. حين دار الزمان بنا، وقال لنا الحب:
كيف التقينا..
وكيف امتزجنا كطين.. وماء..
كأرض تجود عليها السَّماء..
ففاضت جداولنا بالعطاء الرغيد..
يا أم أيمن..
أنت الرخاء.. وأنت السخاء
وأنت الصفاء.. وأنت الوفاء..
وأنت العطاء الجديد..
يا أم أيمن..
(أيمن.. سلمى.. أماني.. وأحمد)
بهم عمرنا يتجدد..
بهم حلمنا يتورد..
بهم نهرنا يتمدد..
و(سامي) تسامى به حبنا
المتنامي..
ويبقى (سعود)
كنفح البخور.. وعطر الورود..
هم كطلع النخيل النضيد..
هم نجوم المجرة
تقرأ سيرتنا.. وتعيد..
***
المشهد الثاني
يطيرون في ساحة القلب..
ينتفض الوجد من عذب أصواتهم..
وتجري ملامحهم في فضاء البصر..
يطيرون في ساحة البيت..
ثم نصير الشجر..
مثل سرب الفراشات حين يطوف..
بين لدْن الغصون.. وبين القطوف..
يطيرون في فلك الحب جذلى
تفر الهموم.. وتخرج عبر النوافذ
مهزومة أمام سلاح براءتهم..
إنهم كائنات من الطير..
لكن أسماءهم كالبشر..
في المساء.. ينام الصغار
كنوم الفراشات بين الزهور..
يستسلمون لأحلامهم فجأة..
وأرواحهم في الفناء تدور..
يظل صدى حُلوِ أصواتهم
يوشوشنا كالوتر..
في الصباح.. تضيء عيون الفراش..
واحداً..
واحداً..
ينزلون على وردة القلب..
ينزلون لواحاتهم كالمطر..
يبدأ اللهو قبل تناول كأس الحليب..
يعبرون دروب الشقاء البريء.. العجيب..
فجأة.. يعلنون العداء
يلجأ الخائفون لأحضاننا..
فجأة.. يعزفون نشيد الصفاء..
ويزول الخطر..!!
هذه المسرحية يومية
تعطر أيامنا بالعبير..
وتنسج أحلامنا بالحرير..
ننام.. ونصحو على وقع
أحداثها..
ونظل نتابعها بابتهاج هنا..
وهنا.. في حذر..
إذا حضر المبدعون.. أزيح الستار..
وصار الظلام ضياء..
وصار النهار.. نهار..
وإن غربوا..
سكنتْ دورنا كالقبور..
وعشعش في ردهات الفؤاد الكدر..
هذه المسرحية ظلت تنام.. وتصحو وظل سنا الحلم ينمو..
شجر العمر ينمو..
والفراش يمص رحيق الزهور..
وينمو..
كل شيء غرسناه ينمو..
على ضفة القلب.. ينمو
على ترعة الحب.. ينمو..
بتلك الحقول الثلاثين.. ينمو..
وينمو.. وينمو..
وطال بنا الحلم حتى حدود
الخدر..
ولما أفقنا من الحلم ماذا رأينا..؟!
رأينا الفَرَاش يكللنا
والغمام يبللنا
واليمام يغني لنا ويظللنا..
رأينا الزهور تضمخنا بالعطور..
والنخيل مكللة بالجواهر
مثل العرائس بين الحضور..
وكوكبة من نجوم المجرة تشبهنا
تتوقد مثل المجامر..
تنعش أحلامنا بالبخور..
رأينا دماء الشباب تفور..
وماء الشباب يمر بكل عناقيدنا
ويمور..
رأينا التجدد يبدو.. وينمو.. ويسمو..
بكل الوعود..
وكل الرعود..
وكل الوجود..
وكل الصور..
***
المشهد الأخير
السفينة تمخر بحر الحياة..
رغم أمواجه العاتية..
برغم الرياح العواصف.. تشتد
حيناً فتربك ربانها..
وتحرفه عن مساراته الآمنة..
السفينة تمضي على البحر..
والركب يمضي على اليابسة..
والطريق طويل..
رحلة العمر محفوفة بالمخاطر والتضحيات
بكل اتجاهٍ.. وكل سبيل..
إنها رحلة شائكة..
وحوش الفجاءات قاطبة في
مسالكها باركة..
فهيئ لنفسك يا سيدي عدة
راهية..
تسلح بأسلحة العزم.. والحزم..
والحكمة الراسية..
واتخذ نجمةً كالثريا تسامرها..
وتشاورها.. وتحاورها..
وفي اللحظات الجميلة تهفو إليها..
وعند الشدائد تأوي إليها..
وتصبح في الدرب بوصلة للرحيل..
هذه سُنّة الكون يا سيدي..
فدع لصغارك حين يشبّوا عن الطوق
حرية الاختيار..
فسوف يرودون كل الديار..
إذا راش رائشهم.. تخلى سريعاً
وولى.. وطار..
فلا تبتئس..
وكن شامخاً كشموخ الثريا الأصيلة..
تسامق إليها على سُلّم الحب
حتى حدود السخاء..
كن كريماً بحبك..
كن كريماً بقربك..
كن كريماً بمالك.. وسمو خصالك..
فما هان في الناس إلا البخيلْ
تدربْ على أنْ تكونَ النبيل
بجانب (أم الوفاء) النبيلة..
تدربْ على أنْ تكون الجميل
بجانب (أم العطاء) الجميلة..
تسامح عن الهفوات الضئيلة..
(فمن كان منا بلا خطأً فليحاسب خليله)
تكامل مع النحل يا سيدي..
ودعها تؤدي وظائفها في الخميلة..
فلو جاء كل الرجال إليك..
لما كان في وسعهم أبداً
أن يقوموا بأدوارها المستحيلة..
كما لو أرادت جميع النساء القيام
بدور الفتى المستحيل..
حبيبة قلبي..
رفيقة دربي..
تعالي.. نعلم أبناءنا بأن النقاء
بملعبنا.. مستحيل..
وأن الكمال بكوكبنا مسحيل..
وأن التكامل سر النجاح..
وأن التفاعل سر النجاح..
وأن التفاهم سر النجاح..
وأن التسامح سر النجاح..
وأن الظلام طريق الصباح..
تعالي إلى جانبي نتولى القيادة..
إلبسيني قلادة..
دعينا نترجم معنى السعادة..
عطريني بماء الحنان..
أنت نبع الحنان..
طوّقيني بسور الأمان..
فذراعاك.. سور الأمان..
واصلي الخطوات..
وادفني الهفوات..
جدِّفي رحلة الحب حتى الممات..
ففي رحلة الحب..
أنتِ الشراع..
وأنتِ الذراع..
وأنتِ الدليلْ.
حمد العسعوس الخالدي