خطة الإنقاذ التي قدمها البنك المركزي الأمريكي، لاقتصاد يترنح تحت الكثير من الضغوط، على الرغم من كونها كانت تمثل طوق النجاة للعديد من المؤسسات الاقتصادية، إلا أنه من جانب آخر أيضاً هناك الكثير من الجهات رفضتها، ووجدتها تدخلاً سافراً في الاقتصاد الحر، وخيانة عظمى لأهم الأسس الاقتصادية التي قامت عليها الرأسمالية المستقلة عن مركزية الدولة. من أبرز المعارضين النائبة الألمانية ميركل، التي ترى أن السوق وأن تعافت نوعاً ما مع المبلغ الضخم لخطة (بولسون) للإنقاذ لكن السوق الحرة مراوغة ولا يمكن التنبؤ بانعطافاتها على المدى الطويل.
ولا أنوي أن أورد هذه المقدمة للحديث عن الاقتصاد والأزمة الأمريكية ذات الارتدادات العالمية في هذا المجال. ولكن ما أريد التطرق إليه بالتحديد هو قانون السوق الحرة والمفتوحة التي تبرمج نفسها وفق قانون العرض والطلب والبقاء للأفضل.
فهذا القانون برأيي إحدى الوسائل التي من الممكن أن يتم من خلالها إدراج الكثير من التجارب في مضمار المنافسة ومحاولة تقديم الأفضل والأجود؛ لأن هناك سوقاً مفتوحة، وحتماً في هذه السوق سيكون هناك جهة أخرى تقدم نفس الخدمة، من الممكن أن تستقطب المستفيدين والمتلقين، وهذا القانون على الرغم من بساطته وقسوته، لكنه قد ينسحب على الكثير من التجارب البشرية وعلى عدد من المستويات التي من ضمنها الفنون على سبيل المثال.
فمثلاً الجميع يتذمر من ضعف المستوى الفني للكثير من الأعمال الدرامية المحلية التي قدمت في شهر رمضان الماضي، تلك الأعمال كانت مدعومة بشكل كبير من مؤسسات إعلامية برؤوس أموال محلية، وإن كانت تجارية، إلا أن تلك المؤسسات من ناحية أخرى قد تغاضت - بشكل كبير - عن القيمة الفنية والعمق الدرامي لتلك الأعمال، ولو تركت تلك الأعمال هكذا دون الدعم الكبير من تلك المؤسسات فلا أعتقد أنها ستجد سوقاً رابحة على أي من الفضائيات في العالم العربي.
ونفس السؤال يتربص بي عندما أعلم أن غالبية المسرحيات التي قدمت في احتفالات عيد الرياض هي مسرحيات لا تخضع لقانون السوق بل هي مدعومة من أمانة مدينة الرياض، ودخول المسرحية مجاني، بالتأكيد هذا سابقة عالمية تقدم على المستوى المحلي، ولكن لا أدري إن كان هذا الدعم من الممكن أن يدفع عجلة الدراما المسرحية ويخدمها على المدى الطويل؟
فلو تركت تلك المسرحيات لقانون السوق (مع رقابة غير مباشرة على القيم الفنية للعروض) من خلال جهات ثقافية مختصة، لكان السوق بالتأكيد استطاع أن يقوم بعملية غربلة ومفاضلة يبقى فيها الأفضل والأجود والأعمق فنياً؛ وبالتالي نكون هنا قد قدمنا خدمة كبيرة للدراما المسرحية ودفعنا بعجلة الفنون إلى مسافات متقدمة كبيرة.
ودوماً كانت تجارب القطاع العام عالمياً مع الفنون بطيئة وغير قادرة على النهوض بتجارب مدهشة ومتفوقة، على حين أن القطاع الخاص دوماً يستطيع أن يتقدم بسرعة ويقفز ويخوض صلب المغامرة الفنية، وهذا الأمر بالتأكيد هو المادة الأولية للفنون الخالدة.