الجزيرة - عبدالله البديوي - عبدالله البراك
ثلاث دقائق هي المدة الفاصلة بين جرس الافتتاح الذي أعلن عن عودة سوق الأسهم السعودية لمزاولة نشاطه بعد عطلة العيد وبين إغلاق جميع الأسهم المدرجة على النسبة الدنيا في مشهد مأساوي أعاد للأذهان صورة السوق السوداء التي كانت عليه في فبراير قبل أكثر من عامين.
ولم يمهل مؤشر السوق المتعاملين فيه سوى لحظات قبل أن ينخفض بالنسبة الدنيا فاقدا أكثر من 700 نقطة مدعوما بإغلاق الشركات القيادية في القطاعين البتروكيماوي والبنكي على النسب الدنيا وسط انعدام العروض وانخفاض في كمية التداول التي وصلت لأدنى مستوياتها، واستمر المؤشر على هذه المستويات طيلة جلسة الأمس وكأن السوق قد اختزل الساعات الأربع في لحظات معدودة واقفل السوق السعودي عند 6727 نقطة (- 731 نقطة) مسجلاً أدنى إقفال للمؤشر منذ نحو 4 سنوات على اثر التراجع الجماعي للأسهم وتسجيل عشرات منها لأدنى مستوى لها منذ فترة طويلة وعلى رأسها كبريات الشركات المدرجة مثل (سابك) و(سامبا) و(الراجحي) و(الكهرباء).
وعلى الرغم من إفصاح أربعة من البنوك المدرجة هي الراجحي وسامبا والفرنسي والعربي عن نتائجها المالية التي جاءت ايجابية نوعا ما خصوصا أنها أزاحت الكثير من الإشاعات التي شككت في عدم تأثر البنوك المحلية بأزمة الائتمان العالمية إلا أن ذلك لم يجد نفعا وسط تدافع البيوع وانعدام الثقة في سوق الصانع الأول فيه هو نفسيات المتداولين.
(الاثنين الأسود) عاد من جديد ولكنه جاء هذه المرة أكثر انتشارا وفداحة ولم يقتصر على الأسواق الأمريكية فحسب، بل إنه طال معظم الأسواق العالمية إضافة إلى أسواق النفط والسلع والعملات.
وكانت الأسواق الآسيوية قد افتتحت على انخفاضات حادة في مؤشرات طوكيو وهونج كونج وبقية الأسواق قبل أن تتبعها الأسواق الأوروبية التي لم تكن حالها بأحسن من مثيلتها الآسيوية خصوصا مع انخفاض اليورو لمستويات جديدة خلال هذا العام.
أما أسواق الخليج فقد واجهت يوماً صعباً خصوصاً في الامارات، حيث انخفض مؤشر دبي بأكثر من 7%، بينما مني مؤشر أبوظبي بخسائر فاقت ال5% وهي أكثر بقليل من حدة الخسائر في الدوحة والكويت ومسقط، إلا أن تداولات السوق السعودي كانت الأغرب كالعادة، وذلك عندما أبى مؤشر السوق السعودي إلا أن يكون متميزا ويغلق على النسبة الدنيا، أسواق النفط لم تكن بعيدة عن الأحداث، بل طالت الأزمة أسعار النفط التي مرت بتصحيح قاسٍ، وتداول خام نايمكس دون مستوى ال90 دولارا، أحداث الاثنين الأسود كانت مدعومة بمخاوف من تفاقم أزمة الائتمان وتشكيك حول مقدرة خطة الإنقاذ الأمريكية في تدارك الوضع الاقتصادي الذي تشير كثير من الدلائل على دخوله مرحلة الركود.
أحداث الأمس كانت بصناعة مشتركة من أسواق الخليج وآسيا وأوربا وأمريكا وأسواق السلع والنفط، ولكن التميز كان للسوق السعودي الذي لم يفوت الفرصة دون أن تكون له البصمة الأكبر، والسؤال الذي يطرحه الكثير من المتعاملين في السوق: لماذا نكون نحن الأكثر خسارة في أزمة مالية لم تطل بنوكنا التي أعلنت عن نتائج ممتازة؟
وقال المحلل (هاني باعثمان): ما حدث اليوم تشاؤم مبالغ فيه من قبل المتداولين حيث لا يوجد رابط بين الأزمة المالية العالمية وما حصل في سوق الأسهم اليوم (أمس) لأن الأزمة العالمية أصابت البنوك الأمريكية في حين أن قطاع البنوك السعودي لا غبار عليه وتسجل أرباحا فبنك الراجحي مثلا أعلن عن نتائج مالية فيها أرباح وقال: ما حدث ليس له أي مبرر سوى المبرر النفسي، أما من الناحية العلمية فلا يوجد أي رابط بين البنوك الأمريكية وبنوكنا فبنوك أمريكا مهددة بالإفلاس بينما بنوكنا تسجل نموا وأرباحا، وأضاف: (ربما يكون هناك استقرار في المؤشر أو هبوط خفيف أما الهبوط الحاد الذي حدث مع بداية التداول هو ذعر مبالغ فيه من قبل المتداولين).
وفي تعليق على ما جرى في سوق الأسهم قال الدكتور عبدالرحمن السلطان: إن تراجع السوق أمر شبه متوقع بسبب الأزمة العالمية مشيرا إلى أن اجتماع المؤثرات زاد من حدة الهبوط، وأضاف أن الاقتصاد السعودي لن يكون بمنأى عن تأثيرات الأزمة العالمية سواء من ناحية تأثر المصارف المحلية والاستثمارات الرسمية السعودية أو التأثير المتوقع على أسعار النفط الذي ينعكس بصورة مباشرة على الاقتصاد السعودي وكل هذه العوامل تفسر ردة الفعل القوية على سوق الأسهم السعودي.
وأضاف الدكتور السلطان أن فترة التوقف زادت من عنف الهبوط في السوق مشيرا إلى أن إقفال الشركات بدون طلبات يعطي انطباعاً بمواصلة الهبوط.
وحول اتخاذ الكويت وبعض دول الخليج خطط لمواجهة الأزمة والمحافظة على استقرار أسواقها المالية قال: اعتقد أن جميع الخطط التي اتخذت في دول العالم لحماية المؤسسات المالية ولتوفير السيولة للمصارف لن تؤثر في الوضع وان تدخل الصناديق لن يكون مهما خاصة ان الأزمة لم تنته بعد، وقال: قد نشاهد الأسوأ مستقبلا مشيرا إلى أن الأزمة بدأت تنتقل إلى أوروبا ولا توجد مؤشرات على انتهائها والتدخلات تتم عن طريق شراء الديون المعدومة وتوفير السيولة وحول مستقبل السوق قال السلطان: إن مستقبله مرتبط بالأزمة، وحول انخفاض أسعار النفط أمس أضاف انه سينعكس على الاقتصاد المحلي إذا استمر انخفاضه بدرجة كبيرة مضيفا أن المطلوب من الجهات المسئولة الظهور والتصريح بمقدار الضرر من الأزمة، وقال: (في اعتقادي الشخصي أن الضرر محدود وقليل وأضاف أن خطة الإنقاذ الأمريكية لن تعالج المشكلة الاقتصادية العالمية).
وفي نفس السياق قال الدكتور محمد المسهر الجبرين: كل دولة تتخذ الإجراءات التي تناسبها ومن الممكن أن نشاهد عملية تعليق للتداول وقد يكون شح السيولة هو السبب الرئيسي لهبوط السوق مشيرا إلى تصريح محافظ مؤسسة النقد بأننا بعيدون عن الأزمة (ليس صحيحا)، موضحا: (حتى لو أننا غير متأثرين بهذه الأزمة بشكل مباشر فنحن سنتأثر بها بشكل غير مباشر فهبوط أسعار النفط سيؤثر على اقتصادنا حيث ستظهر آثار ذلك خلال ستة أشهر). وحول ارتفاع سعر الدولار قال: (من الممكن أن ينعكس بالإيجاب على الاقتصاد)، وقال: إن المطلوب الآن التنسيق بين كافة الجهات للدخول إلى السوق وضخ السيولة، وقال: (شاهدنا الحكومة الألمانية ضمنت أموال المودعين وكذلك الإجراءات المتخذة عالميا تعتبر ايجابية وتعيد الثقة لدى المواطنين)، وأضاف قائلاً: (السوق يعد مغرياً استثمارياً والحالة النفسية لدى المتداولين هي من يحجب هذه الرؤية الاستثمارية)، مضيفا أن المتداول السعودي يحتاج إلى من يطمئنه ويوضح له الإجراءات التي ستتخذ لمعالجة الأزمة خاصة وانه لم يتم الإعلان عن أي إجراء وقائي لاحتواء الأزمة.