تحاورت معه، وتفاعلت مع المشكلة المطروحة، وحينها سألت الله أن يعينني على المعرفة والفهم والوعي بما يعرضه، وأن يهيء الله لي القدرة على مشاركته في وضع حل توافقي لما جاء به من مشكلة.
فها هو صديق عزيز مقرب إلى نفسي وقد زارني في مكتبي، وبعد السلام والترحيب به بادرني قائلاً: (جئتك اليوم لحاجة)، قلت: مرحباً، فقال: (أنت رجل اختصاصك الخدمة الاجتماعية، وأنت الصحفي الاجتماعي الذي أمتن مع آخرين بمرئياته في مشكلاتنا المطروحة في الواقع المعاصر)، فطلبت منه أن يعرض مشكلته وحسبي أن كلي أذن صاغية له، فقرب المقعد وخفت صوته وهو يقول: (إن المشكلة التي جئتك بها ليست مشكلة خاصة بل هي مشكلة العديد من الناس ووقع بها (عم) لي يبلغ من العمر 56 عاماً ويعمل بالتجارة وله زوجة وأبناء يعملون معه وهم -زادهم الله- في بحبوحة من العيش، وقد اكتسب هذا العم مهارات التعامل مع الآخرين والتواصل الفاعل معهم، إلا أنه على الرغم من ما هم فيه من تحضر وتقدم على كافة الأصعدة فسيظل من المشكوك فيه أن يحدث تغيراً سريعاً في الاتجاهات والعادات السائدة في بعض من المجتمعات الريفية وحتى القادمين منها للتحضر حول فكرة الزواج المبكر والأمومة المبكرة، والإنجاب المبكر.
ونعود للعم الذي أخاله أنه ما زال يعيش بفكره في عهد قديم أو في بيئة مساكنة لم يطولها الحراك الاجتماعي، والتقدم العلمي خاصة في مجال رعاية الأسرة، والتعلق بمفاهيم تكوين الأسرة الصحية المتكافئة المتزنة. فقد لجأ العم وهو في هذه السن المتقدمة للزواج من طفلة عمرها أحد عشر عاماً، متأسياً في ذلك بما حدث في بلدة أخرى -خارج نطاق العاصمة- كما نُشر آنذاك أن عجوزاً تزوج من طفلة عمرها تسع سنوات أو ثمان سنوات.
واستطرد صديقي قائلاً: إننا كم نقرأ في صحف بلدنا ونسمع فيما وراء ما يقرأ عن تعدد حالات الزواج بطفلة، فهل ترى من وجهة نظرك أنها تعد ظاهرة ملازمة لنا، أم ماذا ترى؟
قلت لصاحبي: مهلاً، فزواج المسن بطفلة ليست بظاهرة، لكنها مشكلة تحتاج لإلقاء الضوء عليها. وسأل: كيف؟ قلت إنها مشكلة تتعلق بتصورات مفاهيمية، واتجاهات فكرية، وصور كانت فرضية تنبع جميعها من معرفة خاطئة حول مقاصد الزواج، وحول النشاط الذي يعم الحياة الزوجية، وحول متطلبات الشئون المنزلية.
فضلاً عن أنه اللاوعي بالتحديات المستقبلية واللاموضوعية في تأمين مخاطر الزواج بطفلة فهو اللامرغوب في سلوك العم ومثيله إزاء زواج غير متكافئ يحول دون تحقيق حياة زواجية مستقرة لما يجره من صعوبات تعوق عملية التوافق الأسري وتحول دون إشباع رغبات الزوجين مما يؤثر في الحياة المعيشية ويبعث على اللاانسجام واللااستقرار.
ويبني هذا كله على نقص المعلومات والخبرات لدى الزوجة الطفلة المطلوب منها تدبير شئون الأسرة ومواجهة المشكلات التي تصادفها وتتعرض لها، وتأثير ذلك على رفاهية الأسرة مع طول مساحة الوقت المستقطع لإمكانية استيعاب الخبرات المعرفية والعملية التي تساعد على تطبيق ما اكتسبته في حياتها الخاصة، وفي معية الأسرة.
ومن أهم المشكلات التي تعاني منها الزوجة الطفلة هي عدم قدرتها على القيام بكفاءة بعدة أدوار في وقت واحد مما يؤدي إلى إخفاقها في توفير العناية الواجبة للزوج مما يشعرها بالصراع مع النفس وبين أداء واجباتها الشخصية وواجبات زوجها مما يجعلها لا تستطيع الوفاء برسالتها نحو رعاية زوجها مما يؤدي إلى الوبال على الأسرة وعلى أهلها وعلى المجتمع، ومن جراء ذلك تتردى الزوجة الطفلة إلى مهاوي التوتر والقلق النفسي وعدم إشباع الناحية الوجدانية الحميمة التي قد تنتاب الزوج أيضاً مع عدم القدرة على التحكم في أعصابه أو ضبط تصرفاته مما تستشعر معه الزوجة بالانطواء والكآبة وأمراض عضوية كثيرة مما يؤثر بالسلب في مهامه ومسئولياته ورضاه.
وقال صاحبي: إنها مشكلة معقدة وقضية شائكة، فهذا الزواج لا يجنى من ورائه إلا القلق والخوف، فما لدى كل منهما حزمة من المعلومات المغلوطة، فماذا حول لقائهما الحميمي إذن؟
قلت لصديقي: إنه سؤال غاية في الأهمية لأنه بيت القصيد، ويتحرج منه الكثير لكني أقول: كما أنه لا حرج في الدين، فلا حرج أيضاً في العلم.
إن الاختلافات الطبيعية بينهما حول قوة الدافع للقاء الحميمي يؤدي إلى عدم التجاوب بينهما مما يؤدي إلى فشل العلاقة الزوجية، لأن عدم المعرفة يسوق إلى إعاقة الدافع، ويصير أداؤها كآلية ميكانيكية مما ينعدم الإحساس بالمتعة والشعور بعدم الإشباع، وبالخجل الذي ينتاب الصغيرة يمنعها من التعبير عن تأذيها من الفعل، وقد يلجأ الزوج معها إلى السلوك اللاسوي، وقد يدفعه إلى ذلك أن الشعور الوحيد الذي يتحاكه في هذه الحالة أنه سيد الموقف، وقد يستخدم العنف السادي مما يزيد المشكلة تعقيداً، فالعملية لديها حب استطلاع وتنتهي بعد ذلك ببرود ونفور يساعد في ذلك النظرة الدونية من قبل الرجل للمرأة، وعدم احترام كينونتها وعدم التعامل الإنساني معها. ومن ناحيتها الشعور بالخوف يحرمها من الإحساس بالإشباع، وعدم وعيها بخبرة العملية يفقدها الرضا والأمان معه.
وسأل صاحبي: وماذا إذا ما تقدم العمر مع إتساع الفجوة بينهما؟ إنه الهرم في مقابل النضج والحيوية، هي تبدأ وهو ينطوي، هي طالبة لإشباع حاجتها الطبيعية وهو مستسلم لعدم القدرة، وقد يلتهب سعار المشكلات بينهما، وقد يتسع السلوك الانحرافي من أجل البحث عن الإشباع حتى لو كان متخيلاً، وهذا الأمر وحده كفيل أن يهدد بفقدان الحالة الزوجية فيما بعد، في ظل مناخ الحرمان وما يدفع به من غضب وتزمر وثغور والبعد المادي والوجداني.
وسأل صاحبي: ألا يمكن أن نجد في مثل هذا الزواج نماذج ناجحة؟
قلت: قد يكون، ولكن في الغالب مستحيل نظراً للاختلافات المتباينة بين الزوج والزوجة الطفلة. وقال صاحبي هل من أمل في علاج هذه المشكلة مشكلة الزواج من قاصرات؟
قلت: نعم يمكن التخفيف من حدة المشكلة واستهواء القاصرات، وذلك بالعمل على تعديل الاتجاهات والمفاهيم نحو تكوين الأسرة في إطارها الطبيعي عن طريق نشر الوعي وتضمينها في المناهج الدراسية وفي الأنشطة الإرشادية وأجهزة الإعلام. ووضع آلية في بعض الأنظمة والقوانين بما يضمن ضبط الزواج من القاصرات.. والله المستعان.