ترتفع علامات استفهام ضخمة مع كل عملية إرهابية أو إجرامية تقع في العالم العربي والإسلامي خصوصاً ارتفاع عمليات العنف والإرهاب في كل من أفغانستان والباكستان واليمن.. آخر هذه العمليات تدمير فندق ماريوت في إسلام أباد الذي أودى بحياة 60 إنسان وجرح أكثر من 200 جريح. هذه التساؤلات تتضخم أكثر وأكثر بعد أن يتبنى تنظيم القاعدة لتلك العمليات التي نفذت من قبل عناصره وأجنحته الميدانية الطالبانية الباكستانية أو الطالبانية الأفغانية.
مع هذه التساؤلات تطرح بإلحاح تساؤلات أخرى لا تقل أهمية عن التساؤلات السابقة: لماذا تستمر العمليات الإرهابية في البلاد الإسلامية؟ بل وحتى في رمضان لم تسلم الباكستان من تلك العمليات الإرهابية؟ من المنتفع من تنفيذ هذه العمليات التي تنمي من مخاطر عدم الاستقرار السياسي والأمني في تلك البلاد الإسلامية؟. أخيراً من يمول ويدعم تنظيم القاعدة ماديا بالسلاح والمتفجرات لتنفيذ تلك العمليات التي تستهدف أرواح الأبرياء من المسلمين وغيرهم؟.
البعض من المحللين والمراقبين يتحدث باستمرار عن مؤامرة عالمية مصدرها غربي تستهدف أمن واستقرار العالم العربي والإسلامي. البعض الآخر يلقي باللوم على تنظيم القاعدة وحده كمصدر رئيسي من مصادر تصدير التطرف والغلو والعنف في العالم العربي والإسلامي. فيما يذهب آخرون إلى حد الإشارة إلى الدور الإيراني في المنطقة وفي العالم الإسلامي وتحالفها المبطن الخفي مع تنظيم القاعدة ومع كل من طالبان الباكستان وأفغانستان بعد أن فقد هؤلاء مصادر دعمهم لتقليدية خصوصا المادية من العالم الإسلامي.
الإجابات على هذه الأسئلة صعبة بل ومستعصية على عقول المراقبين في ظل تفاقم حدة الأوضاع السياسية والأمنية وتدهورها مع كل عملية إرهابية ترتكب في هذه الدولة الإسلامية أو تلك، ومع هذا لا يمكن استبعاد حقيقة ضلوع أياً منها في وقوع هذه الأحداث.
لننظر في المؤامرة الغربية على العالم الإسلامي، فهي نظرية قديمة حديثة تطفو إلى السطح وتتقاذفها العقول مع كل تدهور سلبي يطرأ على واقع المجتمعات والدول الإسلامية. لكن السؤال هنا وإن كانت تلك النظرية تثبت على ما حدث في العالم الثالث كله بعيد نهاية الحرب العالمية الأولى ومن ثم الحرب العالمية الثانية، إلا أنها تبدو هشة جداً لا يمكن هضمها بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية التي غيرت معالم العالم كله وفرضت نمطاً سياسياً وعسكرياً وأمنياً جديداً على دول وشعوب العالم كله.
فما حدث من نظام طالبان في أفغانستان من رفض قاطع لتسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن للولايات المتحدة الأمريكية ساهم بشكل مباشر في وقوع الغزو الأمريكي مدعوماً بعد ذلك بقوات حلف الناتو (حلف شمال الأطلسي) على أفغانستان وموت عشرات الآلاف من القتلى جراء تلك الحرب. كما وأن عمليات القصف العسكرية الأمريكية الجوية والصاروخية ضد بعض الأهداف التي يعتقد بأنها لتنظيم القاعدة ساهمت في قتل المئات من التنظيم ومن غير التنظيم من المدنيين بالطبع. لذا تظل القضية غير منتهية ومحسومة رغما عن كل التحقيقات التي تجري لمعرفة من الصادق ومن الكاذب: قوات التحالف أم طالبان أفغانستان.
أما من يعتقد بأن تنظيم القاعدة بأيديولوجيته المتطرفة وبخطابه المتشدد التكفيري وبمنطقه الملتوي الرافض للواقع، فلا يمكن لأي مراقب أو محلل أن ينفي حقيقة ذلك الاعتقاد وضلوع التنظيم في تنفيذ معظم العمليات الإرهابية أو في تأثيره المباشر أو غير المباشر على عقول عدد آخر ممن تأثروا بخطابه وتحركوا لمحاكاة أفعاله الإرهابية.
يبقى الدور الإيراني في العالم الإسلامي عامة وخاصة في المنطقة الإسلامية المحيطة به سواء كانت عربية أم باكستانية أو أفغانية. حقائق اللعبة السياسية بين كل من طهران والعالم كله خصوصا واشنطن تشير إلى أن من مصلحة إيران القومية الاستراتيجية أن تبقى الأوضاع السياسية والأمنية ملتهبة جدا في المنطقة لتحقيق أهدافها ومصالحها القومية والمذهبية التي لا يمكن أن تتحقق في حال وجود أجواء صحية من الأمن والاستقرار والرفاهية.
أضف إلى ذلك أن حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة تشغل جميع دولها وشعوبها في محاولات معالجتها مما قلل من حدة الضغوط السياسية على طهران في ذات الوقت الذي يفسح لها مجالا كبيرا من القدرة على التخطيط والتحرك والتعبئة. الحال بدوره ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية التي وفقا للمنطق الإيراني يجب أن تستمر في البقاء منشغلة ومنهكة (أي متورطة) في مواقعها الأفغانية والعراقية بحيث تشكل هذه الجبهات متنفساً سياسياً وأمنياً لطهران من جهة، ومن الجهة الأخرى توظف كوسائل ناجعة لتضييق الخناق السياسي على واشنطن وحلفائها الغربيين. لذا ليس من المستبعد أن تعمد طهران إلى التحالف بالمنطق التشرشلي مع تنظيم القاعدة بعد أن فقد معظم مصادر دعمه وتأييده في العالم العربي والإسلامي، وبعد أن أوشك على الإفلاس المادي ليمسك حالياً باليد الإيرانية لتنتشله قبل الانهيار.
الحقيقة والواقع يؤكدان أن طهران تلعب الكثير من اللعب السياسية الخطيرة في المنطقة والعالم الإسلامي لا تبدأ بمحاولات تشييع شعوب العالم الإسلامي، أو دعم الأقليات ومحاولات بسط النفوذ الإيراني وتمدده في المنطقة، بل ولا تنتهي بأطماع طهران أن تصبح الدولة العظمى في المنطقة التي بمقدورها أن تتحكم في مصائر الدول وتقرر مستقبل شعوبها.
drwahid@email.com