في المقالة السابقة التي كان موضوعها (الخليجي والجنس) والتي كما يبدو أنها أعجبت الكثير من القراء، حسب ما جاءني من خلال رسائل ال(sms)؛ باعتبارها أول إنصاف للرجل الخليجي الذي لا يطرق أبواب الآخرين بحثاً عن الجنس ولا يختطف الفتاة عنوة من الشارع من أجل المتعة المحرمة، بل إن الآخرين هم الذين يطرقون عليه الباب، ويختطفونه من الشوارع لتقديم تلك (الخدمة المحرمة) وفوق هذا وذاك يعتبرونه مثل (الثومة المأكولة المذمومة) ويصورونه بأبشع الصور، أقول بعد نشر تلك المقالة التي أدافع فيها عن هكذا (ضحية رديئة) في كلتا الحالتين، لست أدري كيف توصلت إلى (نظرية) خاصة تقول: إن المرأة الخليجية أو العربية على وجه العموم تحتفظ برجل واحد حتى ولو شاركنها فيه أربع نساء في آن واحد، بينما المرأة الأوروبية أو الغربية على وجه العموم تحتفظ برجل واحد ولو شاركه فيها أربعون رجلاً في آن واحد(!!)، أقول إنني حينما توصلت إلى هذه النظرية (الخارقة!!) تمنيت لو أن صديقي الكاتب الليبي الساخر (الصادق النيهوم) كان حياً لأسانده في حربه الشعواء على الرجل العربي والمرأة الأوروبية؛ حينما كان يكتب في مجلة الأسبوع العربي اللبنانية التي كان حلمنا -نحن الكتاب الصغار آنذاك- أن تنشر لنا ولو في صفحات القراء.
أقول إنني تذكرت النيهوم الذي حكى لي ذات يوم القصة التالية؛ إذ قال: كنت أدرس في جامعة ستوك هوم في أواسط الستينيات الميلادية، وكنت الطالب العربي الوحيد في تلك الجامعة، ولأنني كذلك قررت أن أكون مثالاً ناصعاً لأبناء أمتي في أعين الطلبة الذين امتلأت قلوبهم بكراهية العرب (المتخلفين، الهمجيين، الذين يتحكمون بالطاقة، الأثرياء، الجهلة، المهووسين بالجنس... الخ الخ).
وبالطبع كنت أفند هذه (المزاعم) وأدحضها كلما اجتمع الطلاب في كافتيريا الجامعة، وذات يوم انقضّت طالبة سويدية (كالنسرة) لتنهش بمخالبها الرجل الشرقي بلا هوادة واصفة إياه بالإضافة إلى (المسبات) السابقة بأنه مخلوق (لا حضاري) بدليل أنه يتزوج أربع نساء في آن واحد ويجمعهن في بيت واحد، ولدى هذه المعلومة الغربية التي حصلت عليها السويدية الشقراء ضحك الطلبة كثيراً وسخروا مني ومن أمتي ومن (جنسي) اللا حضاري -هكذا- ولما طأطأت رأسي لأُعلل هذه (التهمة- الحقيقة) انبرت طالبة باكستانية لها جذور إسلامية توجه كلامها إلى النسرة السويدية مدافعة عن ذلك العربي -المخلوق اللا حضاري- إذ قالت لها: وهل تعتبرين صديقك البدين، الغبي، الوسخ الأذنين رجلاً حضارياً أم أنك تحبينه لأجل المال فقط.
ساعتها ضج الطلبة بالضحك وانسحبت السويدية الشقراء تجر أذيال الخيبة ولم تعد تناقشني قط، ويكمل النيهوم (السالفة)، وبعد تخرجي بعدة أعوام زرت ستوكهولم ولكي أستعيد ذكرياتي في المدينة توجهت إلى أحد المقاهي التي تعودت ارتيادها حينما كنت طالباً مع مجموعة من طلاب جامعة ستوكهولم.
وما أن جلست على الطاولة وأنا أحدق في الوجوه التي تغيرت حتى قفزت سويدية شقراء وأقبلت لترحب بي بالأحضان، وكانت ذات الطالبة التي كانت كثيراً ما تحاصرني في حربها ضد الرجل الشرقي التعيس وبالطبع (عزمتها) كما يليق برجل شرقي شهم وكريم، على الرغم من أنها أسرفت في تناول المزيد من أقداح الجعة، مما دعاها لأن تدعوني للرقص، ثم أنها همست في أذني أين أنت كل هذه الأعوام، صدقني لقد تعلقت بك وأعجبت ب(سمرتك العربية الجميلة) منذ تلك الحلقة النقاشية المشؤومة. وها أنت اليوم عدت إليّ وبعد أن انتهت السهرة دعتني للنوم في شقتها الفارهة -كما تقول- وكانت بالفعل كذلك حينما دخلت متأبطة ساعدي إلى الصالة؛ حيث كان ثمة رجل بدين عاري الجسد يشبه الثور المسلوخ، يتكوم فوق الأريكة وبجانبه طفلان ولكنه حينما أحس بنا نظر إليّ بعينين متورمتين قائلاً: أهلاً بك في بيتك، المطبخ على اليمين، والحمام على اليسار، ثم أغمض عينيه وأدار ظهره وواصل الشخير: فالتفت إلى السويدية الشقراء ممازحاً. وهل هذا هو (الوسخ الأذنين)إياه؟ فقالت نعم ولكنني لم أعد أطيقه، لذلك فإنني في كل يوم أبحث عن (زوج جديد)!!
بقي أن أسأل فيما إذا لو كان النيهوم حياً.. هل بمقدوري أن أعتبره الزوج رقم (40) لتلك المرأة الأوروبية الشقراء؟ وهل بمقدوري أن أعتبرها المرأة أم ال(أربعين) زوجاً؟ وهل مثل هذه بربكم (إنسانة) أم (حيوانة) أم أنها مجرد أم (الأربع وأربعين) -الحشرة إياها- ما غيرها؟ ذلك هو السؤال؟!