عندما ارتفع جسد العم العزيز/ صالح بن إبراهيم الطويان -رحمه الله- بين أيدي مشيعيه وحين هبطوا به إلى (لحد) شُق في أعماق القبر، غاب عن أعيننا جسد ذلك الإنسان الصديق، بعد أن غابت بسويعات روحه، وعلى شفتيه بقايا ابتسامة!.. لست بصدد طول الحديث عن هذا الرجل، فما كان أبغض إليه من كثرة الحكي! كان واقعياً يُحب الفعل ويكره تنميق الكلام. ومن خلال سيرته التي امتدت سبعة وسبعين عاماً، عرف فيه محبوه خصالاً كثيرة لا تنسى.
* عرفوا فيه حرصه على صلاة الجماعة، يهب إليها في وقتها تاركاً ما بين يديه من الدنيا، ليصليها صلاة مُودع بخشوع وتُؤدة، ولا تفوته صلاة الفجر مع الجماعة، بل ينهض لها بنشاط وهمة وسعادة، موقظاً من حوله، فكان بذلك قدوة لأهله وأبنائه وعارفيه. حتى وهو في خواتم العمر يقترب من الثمانين ومع وطأة المرض وشدته كانت صلاة الجماعة سعادته وأنسه وصلته بالله.
* كان لا يدع سنّة قيام الليل، حضراً وسفراً، يقوم لها في جوف الليل المظلم فلا يسمع من حوله إلا نشيجه ودعاءه!
* رجل بكاء من خشية الله، تفيض عيونه بالدموع حين يسمع آيات الله والمواعظ من حوله.
* رجل بلسمه ودواء جروحه الإيمان بالمكتوب من قضاء الله وقدره، فهو ثابت القلب، مطمئن النفس، لا تروعه الأحداث، ولا تُضعفه النوازل، مُفوضاً أمره لله سبحانه، ولطالما مرت عليه أحداث كبيرة وقاه الله شرها.
* إنسان رضيٌّ بعطاء الله، متفائل بما سيعطيه، لم يشتك من زيادة ولا من قلتها، فلا تسمعه يذم حاله، أو يشكو زمانه.
* صاحب طُرفة وابتسامة، ضحوك، لا يترك الظرافة والدعابة، يستمتع بالرحلات، ويُسعد الأصدقاء والناس من حوله بمرحه وفرحته بالحياة!
* وفياً مع أقاربه وأصدقائه، له مواقف معروفة ومشهودة، لا يتخلى عنهم ولا يتخلون عنه!
* مُتقناً لفن (صيانة الحياة) لم يكن مُهملاً لتفاصيل حياته اليومية وأعماله، كان مُتابعاً مُنجزاً، مدرسة في رصد التفاصيل الصغيرة، صيانة وأداءً وإتقاناً، كان يعتبر ذلك (ذِمرة، وقرامة وتجويداً ورجولة)! وكان أبغض الناس إليه الكسلان الكذوب والمهمل المسوف!.
* كان أبو محمد -رحمه الله- لا يمكر ولا يُمكر به، يُجيد إدارة المال، ويُنفقه دون إسراف ولا تقتير، ويضع الحقائق في نصابها، وكان شعاره (حق الغير أولاً) لم تكن نفسه تضعف أمام هذا المبدأ، كان نزيه اليد، أمين الضمير، يعرف أهمية المال وأنه قوام الحياة، وكان لا يرى أن يكون مالك بإدارة غيرك، وأن من قدر على صيانة المال وحفظه، قدر بعد ذلك على استثماره وكان يقول لمن سوَّف في أداء حقه: (ثبت مالي وكُله) أي أن إنكار الحق هو الظلم الأشد! أما إذا اعترفت بالحق وعجزت عن أدائه فتلك مصيبة أهون!
لقد ترك لعارفيه نماذج شريفة من حسن التعامل!.
* رجل يعمل بيده لا بيد غيره، يرى أن الرجل لا يعيبه العمل، وإنما يعيبه التبطل والعجز ومد يده للناس! لقد رحل مع (ارحيل) على الإبل عبر الدهناء وعبر الفيافي والمظامئ وهو دون العاشرة، واشتغل في التجارة والصناعة والزراعة، وكان يُحب أن يعمل بيده حتى وهو في نزهاته وسفره، تراه - دائماً - في مقدمة جماعته خدمة وحركة وعطاء.
* يحب الوسطية في تربية الأبناء بين الشدة واللين، والحنان والحزم، كان يهمه أن ينشأ الابن وهو معتمد على الله ثم على نفسه وذراعه! وأن يتحلى بالثقة والصلابة والرجولة، وكان صديقاً لأبنائه حتى آخر يوم من حياته، تراه بينهم فكأنه أخوهم الكبير يُحبهم ويُحبونه ويمزح معهم ويمزحون معه! فظهرت آثار تربيته تلك في سيرة ومسار أبنائه في حياتهم!.
رحم الله العم العزيز (صالح بن إبراهيم الطويان) 1351-1429هـ لقد ودعنا جسده في خفايا مقبرة النسيم شرق الرياض، والشمس المصفرة من رهق ذلك اليوم تنحدر للمغيب، لكن ذلك الوجه الحبيب المشرق بالعاطفة، المشبع بالمرح والرضى والابتسام سيظل في خفايا وأعماق الذاكرة ما بقيت الحياة لمحبيه وعارفيه..!.