حاورته - سكينة المشيخص
لم يمت ذلك الفارس المتوشح بالجمال ونقاء الخيال.. لم يمت ذلك المتألق في الوجدان إنسانا وأديبا وكيانا شامخا بتجربة فريدة كتبها بمداد الأمل الذي توهج دائما في أنفاسه وعباراته ومفرداته الأنيقة طوال تجربته التي توقفت في محطة السبعين عاما.. هو رحل عن دنيانا وبقي كما كان في قلوبنا ووجداننا مضيئا ومشرقا مع الزمن ورحلة الأيام يرفدنا ببديع فكره وإنتاجه المدهش.
قبل الرحيل الموجع كان كعادته يتدفق مع الشروق سنا وضياء، قاوم الآلام وواجه معركته مع السقم بصبر وشجاعة، لكن أزف الرحيل وجاء الموعد فرحل في ختام السبعين متوجا ببشارات الخلد في وجدان كل من عرفه، وهم كثر، تألموا وحزنوا ودمعت عيونهم لوداع هو الأخير، ولعلي كنت محظوظة بحواره قبل الرحيل وربما كان ذلك آخر حواراته في بلاط صاحبة الجلالة التي طالما صال وجال فيها بخيول الكلمات العذبة والمعذبة.
الكاتب والأديب السيد عبدالله الجفري أحد أبرز وجوه الثقافة والأدب في العالم العربي غادرنا إلى دار أخرى وتركنا نتفيأ ظلاله الوارفة التي اخضرت بقلمه الرائع كاتبا عن الإنسان في جميع أحواله، وعن تجربته الثرية بالإبداع والألق الذي أضاء كثيرا من مساحات الدهشة والتلقّي.. استنطقنا تجربته عن قرب قبل الرحيل من خلال هذا الحوار لعل يكون فيه بعض عزاء لفقد هذا القامة والأديب الرائع.
لم يمت ذلك الفارس المتوشح بالجمال ونقاء الخيال.. لم يمت ذلك المتألق في الوجدان إنسانا وأديبا وكيانا شامخا بتجربة فريدة كتبها بمداد الأمل الذي توهج دائما في أنفاسه وعباراته ومفرداته الأنيقة طوال تجربته التي توقفت في محطة السبعين عاما.. هو رحل عن دنيانا وبقي كما كان في قلوبنا ووجداننا مضيئا ومشرقا مع الزمن ورحلة الأيام يرفدنا ببديع فكره وإنتاجه المدهش.
قبل الرحيل الموجع كان كعادته يتدفق مع الشروق سنا وضياء، قاوم الآلام وواجه معركته مع السقم بصبر وشجاعة، لكن أزف الرحيل وجاء الموعد فرحل في ختام السبعين متوجا ببشارات الخلد في وجدان كل من عرفه، وهم كثر، تألموا وحزنوا ودمعت عيونهم لوداع هو الأخير، ولعلي كنت محظوظة بحواره قبل الرحيل وربما كان ذلك آخر حواراته في بلاط صاحبة الجلالة التي طالما صال وجال فيها بخيول الكلمات العذبة والمعذبة.
الكاتب والأديب السيد عبدالله الجفري أحد أبرز وجوه الثقافة والأدب في العالم العربي غادرنا إلى دار أخرى وتركنا نتفيأ ظلاله الوارفة التي اخضرت بقلمه الرائع كاتبا عن الإنسان في جميع أحواله، وعن تجربته الثرية بالإبداع والألق الذي أضاء كثيرا من مساحات الدهشة والتلقّي.. استنطقنا تجربته عن قرب قبل الرحيل من خلال هذا الحوار لعل يكون فيه بعض عزاء لفقد هذا القامة والأديب الرائع.
* يقف عبدالله الجفري على رأس هرم إبداعي بناه بأكثر من عشرين كتاباً و(ظلال) يومية... فماذا يرى في الأفق؟
- لقد شارفت على النهايات في هذا العمر الصبور، فأي أفق تبقى؟! أتذكر الآن تلك (الوقفات) المتلاحقة أمامي: (ثمالة) أشياء كثيرة ليس من أهمها: العمر، بل المبادئ والقيم، والأخلاق، والقيمة، و.... الرؤية فهماً، والبصيرة وعياً.
ذات يوم - في مرحلة الانعتاق من البدايات والانطلاق بحثاً عن ملامح كاتب - صدمتني (كاتبة) صورت واقع (الكتاب) العرب في صورة أقرب إلى الكاريكاتير الذي يضخم النتوءات، فكتبت: (بعضهم يكتب عن السهر والعذاب وهو ينام ملء جفنيه، أو يكتب عن النحول والذبول وهو يلتهم خروفاً، أو يكتب عن المعاناة والعذاب وهو يعيش الفرح.. أو أن شعراء المقاومة الفلسطينية -آنذاك - كانوا يكتبون قصائدهم وهم يجلسون في مقاهي باريس ولندن يتجنون على الشعر والفن)!!، يومها... صدمتني هذه الصورة - الحقيقة، ولكني كنت متفائلاً حينذاك، وظننت أنني (أعرف) ما الذي أريد أن أقوله أو أكتبه!.
ولكن... (بعد ستين حول): تفشى مزورو الحقيقة في أرجاء العالم، وارتكس العدل بأنظمة كان همها: الخلود ولو ساد الظلم، فتحولت الكرة الأرضية إلى غابة.. شقوا للناس في غورها طريقاً إلى ما تسمى: (العولمة) البديلة للاستعمار القديم، وإلى التسلط على مقدرات الشعوب باسم محاربة الإرهاب.. وأعمال القوة العظمى هي: الإرهاب وتأسيسه!!.
* ماذا قدمت وتقدمه للأجيال الموهوبة.. وهل نجحت بأعمالك في استقطاب واعدين إلى أسلوبها وتكتيكها؟
- قدمت كلماتي وقدمتني، وهي أنفاسي منذ كانت الأبجدية، وهي: صرختي الأولى في الحياة.. أصحو على حلم لا كما يفعل الناس الذين يصحون من حلم... حلمي متواصل مع العمر حتى فوق الكلام، وأشواقي: ريشة من جناح عصفور لم يمل الغناء، وهتافي: للحياة التي تزيدنا عزة وعشقاً وتعيننا على (التشبث) بمبادئنا التي بقيت قاعدة صمودنا في وجه أعاصير الحياة!
وهكذا: من كل هؤلاء أجيء... وأعانق أحلامي!.
وهكذا أقيس نجاح أعمالي من خلال تواصل قرائي معي عبر الرسائل وحرصهم على إطلاعي وقراءة نتاج من أجد في روحه موهبة تفجر إبداعاً.
* ما حجم المفارقة والمقارنة بين ظلالك وأعمالك؟
- ظلال: عمود يومي أقدم من خلاله كل صباح هموم المجتمع، ورؤيتي لأنشطة الثقافة والفنون، وأكتب أحياناً بوح إنسان يفيض.
* النظم اخترق فضاء السرد.. هل زاد ذلك من القيمة الجمالية لاشتقاقات (الحكي) والرواية، والقصص.. أم أربك المتداخلين؟
- تساءل أحد الشعراء: (هل الصعوبة: غاية)؟!، وأتساءل: هل النظم أم فضاء السرد.. أيهما يفيض بقيمة جمالية، أم أن كلا منهما يشكل قيمة جمالية؟!.
الأهم: أن النظم، والسرد، واشتقاقات الحكي.. تنبع ملامحه من عمق المجتمع الذي ننتمي إليه.. فبعدنا فيما صرنا نكتبه عن هذا الانتماء، مركزين على التقليد وعلى ما يسمونه: الاشتقاقات.
* (أيام.. معها) للجفري، (أيام معه) لكوليت خوري... لماذا هذا التزاحم؟!
- لا أحسبه تزاحماً بقدر ما هو تخليق (علنية) للوجه الأكثر تفرداً بشعور إنساني نجده يشغل قلوب الناس في كل مكان.. إذا (ذكرناه)، أو (أنثناه)!، لقد أهديت الكاتبة المبدعة - كوليت خوري نسخة من روايتي التي أشرت في مدخلها إلى (أيام معه).. فقالت لي: كتبت مفردة مبهرة، توليت أنت فيها قراءة نفسية للمرأة، في الوقت الذي قمت في روايتي بقراءة نفسية للرجل، وربما لكليهما معاً!.
* الرومانسية ظلت هويتك وأداتك.. ما حدود رضاك عنها وهي تشبع تجربتك الإبداعية؟!
- الرومانسية في وجداني كالحرية لدى المضطهد والثائر... فهي تعبير أيضا عن: حرية
الروح والوجدان.. وقد التصقت بي، والتصقت بها للتحول من تعبير وكتابة إبداعية إلى: جوهر لغوي، وجوهر من تجسيد حلم الإنسان الذي أحاطته الماديات من كل مكان... والحرية تمثل (الانخطاف) وكذلك الرومانسية!، وأؤمن: أن الكتابة ليست حظا يقتصر على الاستغراق في اليأس، أو في المادية أو في الصراع مع الدنكيشتيون الذين يحولون الحياة إلى ممارسة أو (كليشيه).. الحياة: إنسان، والإنسان عقل وروح!.
* إلى أي مدى وظفت رومانسيتك في سردك ونثرك؟
- لم (أوظفها) بهذا المعنى الذي قد يستخدمه (ناقد) أو قارئ للواقعية.
الرومانسية: هي التي وظفت سردي ونثري لجوهر الكتابة، وجوهر الوجدان.. وهي ليست مجرد (تحديق) ولا تأمل مستغرق، لكنها كتابة مقدودة من أعماق إنسان يحاول أن يسترجع إنسانيته أو يفتش عنها في غمار التأثير المادي حتى على عواطف هذا الإنسان!!.
* أحوجتك الرومانسية للدفاع عنها طويلاً أمام سلسلة اتهامات وانتقادات الحداثيين... ما خلاصة صمودك؟
- لقد كانت تلك الاتهامات والانتهاكات لا أكثر من (مقاطع) تحمل تبريراً واحداً لمرتكبيها يتمثل في (واقعية) النص، وكأنهم تحولوا إلى (موهوبين) في القمع الفكري والاضطهاد للإبداع بأشكاله، وأشاحوا بفهمهم عن الرومانسية التي أحسبها (بورنوغرافيا) للإبداع وللجمال!.
* ألا ترى أن تلمذتك لأنيس منصور تظلم تجربتك الإبداعية، إذ لا يمكن لمبدع بكل هذه المدة أن يظل أسيراً لأستاذه؟
- ومن قال إن الصحافي الكبير وأستاذ الفلسفة استمر معلماً لي حتى الآن ... وهل تعتقدين أن طرحي وأسلوبي الآن مازال يخضع لطرح وأسلوب أنيس؟!.
نعم.. أنيس منصور في مرحلة انطلاقتي لكتابة العمود اليومي، كان يشكل لي: أستاذاً، وقد تتلمذت على ترسم أسلوبه الصحافي في كتابة عمودي اليومي، حتى وصفني الصحافي التونسي الكبير - صالح الحاجة بأنني: (أنيس منصور السعودية)!!.
ولكن... هل أنيس منصور: كاتب رومانسي؟! أنا تهمتي الرومانسية؟!، هل أنيس منصور كاتب روائي؟! لقد كتب (حكايات) صلح بعضها لتحويلها إلى مسلسلات وسهرات تلفازية.
هناك فرق بين أسلوبه وأسلوبي منذ سنوات بعيدة.
ورغم ذلك... فإن أنيس منصور - رغم اختلافي معه في الرأي والتوجه الفكري - يبقى أستاذاً تتلمذت على أسلوبه في مرحلة ما من انطلاقتي الصحافية!.
* هل تطورت الرواية السعودية.. ومن يعجبك من الروائيين؟
- نعم.. تطورت كثيراً ونضجت.. فلا يمكن المقارنة بين روايات الأوائل الرواد، مثل: (التوأمان) للأستاذ عبد القدوس الأنصاري، و(البعث) للأستاذ محمد علي مغربي رحمهما الله... وبين المرحلة الثانية من تطور الرواية في ما أبدعه - حمزة بوقري في رواية: سقيفة الصفا، وحامد دمنهوري في (ومرت الأيام)، و(أمهاتنا والنضال) لإبراهيم الناصر.. وبين المرحلة الثالثة: التي نعيشها الآن!.
* هل ما يزال النشر عائقاً أمام الإبداع.. أم أن الذائقة والمقروئية أصبحتا كذلك؟
- يبقى العائق ممثلاً في غياب دور النشر والتوزيع، وإن ظهر القليل منها الذي (يتخير) كتباً معينة، وكتاباً آخرين ليطبع لهم.. في الوقت الذي يغيب فيه دور هذه الدور، وقد عجزت كذلك النوادي الأدبية أن تقوم بدور الناشر والموزع... وهذا هو الخلل الذي يحجب إصدار كتب مهمة وإبداعات جميلة، ويفسح المجال أمام المواهب الشابة!.
أما ما سميتها: الذائقة والمقروئية... فنحسب أنهما يتطوران، وأن نسبة القراء والقارئات ترتفع، كما تظهر لنا معارض الكتب... بالإضافة إلى معاناة الكاتب (المازالت) من الرقابة والرقيب على الكتب!!.
* ما دور الروائي والمبدع في تطهير مجتمعه من رذيلة التخلف؟
- لعله ينقل صورة من عمق هذا الجانب في المجتمع، ويتحمل رسالة التوعية، لكن (المتخلفين) والمنحرفين: لا يقرؤون الروايات ولا الكتب، وهناك كاتب عربي حمل عبارته على كتفه وتركها تنطق قائلة: (كتاباتي.. لم تجد سوى أقلية ضئيلة تحتملها)!!.
إنها المعطيات التوعوية القادرة على تفعيل دور (الكتاب) وإشاعة الرغبة في القراءة!.
* لماذا تتجنب السياسي.. أم أن خشونته لا تناسبك؟
- لعلني أؤمن بمبدأ التخصص.. فهناك روائي لا يقدر على كتابة الشعر، وهناك موسيقي لا يستطيع أن يكون عالماً في التكنولوجيا... التخصص يمنح الإنسان المزيد من التركيز، والتوجه، والإبداع!!.
* كروائي يراقب الحياة اليومية بتفاصيلها... أين أخطأ مجتمعنا، وأين أصاب؟
- هل تعتقدين أن (الروائي) يشارك في دور المصلح، والعالم، والخبير الاجتماعي والنفسي؟!،
الروائي: كربون.. ينقل (الصورة) كما هي بمقدار إتقانه للتصوير، لكنه لا يناقش الأسباب والحلول والعلاج إلا رمزاً لو فعل!.
* ما دور النخبة في صياغة النظام الاجتماعي وتطويره؟
- دور كبير وعظيم.. لو أردت الحديث عنه، يحتاج إلى حوار طويل وبحث مفصل... لكنه (دور) المشارك مع السلطة التي قد تجد النخبة أنها تقف في مواجهة ليس فيها مهاجمة.. فالحوار لن يكون (عضلات) بقدر ما هو: رؤية، وفكرة.
* ما الرسالة التي لم تصل منك حتى الآن؟
- من أحد كتبي الجديدة التي أعدها.. كتاب عنوانه: (رسائل.. لم تصلها).. وفيها الإجابة!!.