تعرّفت على السيد عبد الله عبد الرحمن الجفري في مكتبه بجدة وأنا لم أتجاوز الرابعة عشرة من العمر، كان إلى جوار الأب الروحي له الأديب والعالم والمؤرخ والكاتب ذي الصوت المذياعي الأصيل السيد الأستاذ محمد حسين زيدان. قال لي أديب العرب المفخرة الأستاذ عبد الله الجفري رحمه الله: تعالَ إلى هنا، اجلس!! وماذا لديك؟ قلت قصة قصيرة أردت أن أعرضها لأستاذنا سباعي عثمان يرحمه الله، وكانت كاميرتي الفوتوغرافية معي؛ لأنني هويت التصوير منذ صغري بتشجيع من أبي يرحمه الله، وأخذنا صورة تجمعنا نحن الثلاثة، وتحدث شيخنا الزيدان وأنا أشد المعجبين به؛ إذ للمرة الأولى أراه وجهاً لوجه، ودار حديث الصغير الناشئ (أنا) مع أدباء كبار أمثال زيدان، وأديب شاب وصحفي أمثال الجفري وتطلعات بأن أصبح واحداً مثلهما في يوم من الأيام!!
في المرة الثانية التقيت مع السيد الجفري يرحمه الله في جاكرتا، بل في رحلة طويلة مع وفد رابطة العالم الإسلامي الذي يشارك في مؤتمر إسلامي بإندونيسيا، كنت أمثّل جريدة الندوة مبتعثاً من قِبل الشيخ الفاضل أستاذنا الصحفي القدير حامد مطاوع، بل هي أول تجربة صحفية خارج البلاد، جمعتنا بمعالي الشيخ محمد علي الحركان الأمين العام للرابطة آنذاك يرحمه الله، وفضيلة الشيخ محمد صفوت السقا أمين - حفظه الله - الأمين العام المساعد، وكان في المرافقة الأستاذ محمد محمود حافظ المدير العام للإعلام بالرابطة، وأحد المحررين الصحفيين بجريدة الندوة، والإخوة الأساتذة محمد الوعيل رئيس تحرير جريدة اليوم حالياً، عثمان العمير، محمد عبد الستار المحرر بالمدينة، حامد عطاس، وعدد آخر لا أتذكر أسماءهم من الإعلاميين. كان السيد الجفري دائم التحرك مع السيد محمد حافظ في أداء مهمات خاصة بالمؤتمر من سكرتارية، وتجميع للكلمات، وتنظيم عدد من اللقاءات إذ قال لي في مرة من المرات: أنت مسؤول عن كذا، ومهمتك متابعة الكلمات المشاركة وتوزيعها مع السكرتارية. ورسم لي يرحمه الله ماذا دار بينه وبين السيد محمد حافظ باعتباره المسؤول الإعلامي الأول عن المؤتمر. هكذا تعلمت شيئاً من السيد وهو يخاطبني بكل أدب ورقة، وكأنما نشأته أثرت عليه أدباً حتى في التعامل مع من معه، خاصة مع الصغار مثلي في ذلك الوقت.
لم أنسَ السيد الأستاذ الجفري يرحمه الله في أدبه، وحبه للكتابة، ورؤيته، وأحلامه، وخيالاته عندما ألتقي معه في أكثر من محطة، وأكثر من مشاركة، وكان دائماً يذكرني (هكذا تعلمنا من شيخنا بل والدنا الزيدان) يرحمهما الباري عز وجل.
السيد الجفري في أدبه، وكتاباته، وظلاله بعكاظ، الصحيفة التي كان أبرز من فيها ليعلم النشء كيف يمارس الحب ومحبة الناس، محبة الأسرة، محبة الأبناء، محبة الوالدين، وخاصة مَن نفخر بهم من آباء أمثال الزيدان في توجيهاتهم، وقيمهم العليا، وإدراك المجتمع بأن الله سبحانه وتعالى علمنا محبته، ومحبة رسوله العظيم صلوات الله وسلامه عليه رفقة بالناس، وبالمجتمع. إنّ الأدب صياغة جميلة للشعوب إذا عرفت معناه.
كنت أقرأ للسيد الجفري يومياً، التقيت به مرة في أحد الأندية الأدبية، قال: أنت كما رأيت أول مرة. قلت يا سيد، يا أستاذنا هذا من نعيم أدبك عندما تحترم الناشئة، كما تقدر الكبار!! ورغم هذا قلت للسيد إنني بدأت مع مصطفى المنفلوطي، والرافعي، والعقاد، وطه حسين، وعلي محمود طه، وحافظ، وأحمد شوقي، ونجيب محفوظ، وأحمد رامي، ومحمد لطفي جمعة، ومصطفى أمين، ثم إيليا أبو ماضي، ونازك الملائكة، والشابي، والأخطل، شعراً ونثراً. قال وماذا عن الدواوين؟! قلت: المتنبي، وأدب ما قبل الإسلام!! وقد علمني والدي يرحمه الله أن أقرأ في الديانات، والإسلام، والتاريخ، وأدبنا السعودي بدءاً بحسين عرب، والقرشي، وشحاته، والقصيبي وغيرهم.
لم أعدّ صياغة للتعريف بمن قرأت، وقد كان السيد كثير التساؤل للاختبار. ورغم كتابات السيد الجفري في الأدب، وعن الشعر، إلا أنه كان يحضر لمسابقات القرآن الكريم ويعشق القراءات، وهذا ما لمسته عن قُرب أثناء رؤيتي له في أكثر من موقع يرحمه الله.
لقد ودّعنا أبو وجدي ونضال وإياد، وزين، وعبيد، والعنود، والسيدة زوجته المكافحة في حياته وأسرته وأحباءه، ولم تبق سوى كلمات، وهي التي ستظل مرآة لأدب أحد أبناء هذه البلاد البررة، أعانكم الله، وصبركم على فراقه، وتغمده الباري عز وجل في واسع جناته و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}