تقوم سياسة بلادنا نحو الدول الأخرى سواء كانت هذه الدول عربية أو إسلامية أو أجنبية على مبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الآخرين. فبلادنا رغم ثقلها السياسي المتمثل في كونها قِبلة للمسلمين ومن الدول ذات المساحة الكبيرة ومن أهم الدول المنتجة للطاقةلم توظف تلك المكانة يوماً من الأيام لاحتقار الآخرين..
.. أو الإضرار بهم أو تهميشهم أو فرض نوع من الوصاية عليهم أو التدخل في شؤونهم الخاصة. وخذ مثلاً منظومة مجلس التعاون الخليجي، فالدول الشقيقة التي تشارك المملكة في هذه المنظمة دول صغيرة المساحة قليلة السكان، ومع ذلك لم تشعر بلادنا يوماً من الأيام بالاستعلاء على هذه الدول أو إلزامها باتباع سياسة معينة، بل العكس فإن سياسة الاحترام والتقدير هو ما تنهجه المملكة مع هذه الدول الشقيقة التي يجمعها مع بلادنا روابط قوية عديدة يأتي في مقدمتها وحدة العقيدة والعادات والتقاليد والجانب الاجتماعي بالإضافة إلى رابط الجوار والمصالح المشتركة.
ومن أجل هذا التواضع الجم والسياسة المعتدلة اللذين تنهجهما بلادنا حظيت المملكة بتقدير دول العالم ومنظماته، فأصبحت مقصداً لكثير من زعماء دول العالم الفاعلة للتشاور في أبرز القضايا الدولية.
ومن هذا المنطلق تأتي سياسة بلادنا نحو لبنان، فقد وقفت المملكة مع لبنان منذ أن كان يرزح تحت الاحتلال الفرنسي وبعد أن نال استقلاله كانت بلادنا من أولى الدول التي اعترفت به كدولة مستقلة وذات سيادة وظلت تقيم معه العلاقات الطيبة وتتواصل معه في كافة المجالات.
وبعد أن قامت الحرب الأهلية سنة 1975م لم تتدخل بلادنا مع فئة ضد الأخرى، بل إنها كانت تطالب الجميع بإيقاف هذه الحرب والعودة بلبنان إلى حالة الاستقرار والسلم. وبعد أن شعرت المملكة باستفحال هذه الحرب واستمرارها تدخلت سلمياً في سبيل الوصول إلى حل لإنهاء هذه الحرب عندما دعت سائر الزعماء اللبنانيين إلى اجتماع في مدينة الطائف لبحث أسباب الحرب والتوصل إلى حل لإيقافها.
وقد حقق هذا الاجتماع نجاحاً باهراً عندما توصل الزعماء اللبنانيون إلى ما يعرف باتفاق الطائف الذي أدى إلى انتخاب رئيس جديد للبنان بعد سنوات من الفراغ الرئاسي وعودة الأمن والاستقرار للبنان. ولم تكتف المملكة بذلك بل إنها ظلت ترعى وتتابع الوضع في لبنان وتحرص على إعادة تعميره ودعم اقتصاده، كما يلاحظ ذلك أثناء الأزمة التي سبقت انتخاب الرئيس الحالي ميشيل سليمان، فقد عملت المملكة بواسطة سفيرها في بيروت من أجل تقارب الشرائح السياسية اللبنانية والتوافق نحو رئيس واحد. وعندما ظهرت أزمة طرابلس بين الطائفتين السنية والعلوية طالبت المملكة بتغليب مصلحة لبنان على المصالح الذاتية، وظل السفير السعودي يعمل ليل نهار من أجل عدم استفحال هذه الأزمة، وهو الأمر الذي أسفر عن الاتفاق الأخير بين الأطراف المختلفة في طرابلس.
ولذا فإن من مصلحة الجميع بما في ذلك سائر الطوائف اللبنانية والدول المجاورة كسوريا تأييد هذا الاتفاق، فليس من مصلحة سوريا مثلاً الوقوف مع العلويين في طرابلس ضد السنة مهما كان السبب، فهؤلاء في النهاية مواطنون لبنانيون وينبغي أن يسووا اختلافاتهم بأنفسهم. ولعل الاتفاق الأخير الذي أشرف عليه سعد الحريري هو الصيغة المثلى لإنهاء هذا الاختلاف، ودعم هذا الاتفاق من سائر الأطراف أمر حتمي وأداً للفتنة وإنهاءً لهذا النزاع.
مما تقدم يتبين أن موقف بلادنا من أزمة لبنان يتمثل في الآتي:
- احترام سيادته واستقلاله.
- عدم التدخل في شؤونه الداخلية.
- التقريب بين وجهات نظر طوائفه المختلفة.
- الوقوف معه في الظروف الاقتصادية الصعبة.
- عدم القبول بتدخل الآخرين في شؤونه الداخلية.
asunaidi@mcs.gov.sa