تقرير - منيف خضير
ملحمة بطولية بكل المقاييس، ذلك هو اليوم الوطني المجيد لذي أرسى فيه الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - دعائم الحكم لهذه البلاد الواسعة، فغدت دولة كبيرة بأمجادها، صغيرة بتقاربها، وفي هذا التقرير نلقي الضوء على الأزياء التراثية للرجال في المملكة، ونركز على مراحل تطور العقال، وعلى أزياء العرضة السعودية التي أسس لها المؤسس رحمه الله ورعاه.
العمامة تقليد إسلامي
ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلبس العمامة، وقد عمم بعض أصحابه، كعلي بن أبي طالب وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهما، وكان لا يولّي والياً إلاَّ عممه ويُرخي طرفها الأيمن نحو الأذن، وروى جابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعليه عمامة سوداء، وكان للرسول صلى الله عليه وسلم عمامة يسميها (السَّحاب)، وقد أهداها لعلي بن طالب، وكان أبوبكر وعمر يعتمان ويجيزان المسح على العمامة، وكان عثمان أجمل الناس إذا اعتم. واستمر لباس العمامة كتقليد إسلامي تتوارثه الأجيال حتى الدولة السعودية حيث قامت الدولة السعودية في نجد عام 1746 على يد محمد بن سعود، ولكن البداية القوية الحديثة تعود إلى الملك عبد العزيز بن سعود الذي استرد الملك، ووسع مملكته حتى شملت الحجاز وعسير وسواحل الخليج العربي (المملكة العربية السعودية في حالتها الراهنة).
وقد أخذت العمامة أشكالاً مختلفة عن السابق حيث ارتدى الرجال في الجزيرة العربية في الدولة السعودية الأولى الشماغ الأبيض أو الملون والذي لفت عليه العمامة (يسميها الأهالي المعم) وظلت كذلك حتى بدايات الدولة السعودية الثالثة، والذي ظهر معها العقال المقصب والذي يأخذ اللون الذهبي وله أربعة زوايا مربعة وارتداه رجال الدولة السعودية كتقليد للأمراء والملوك وأشهر من ارتداه من الحكام الحديثين للدولة الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه ثم الملك سعود رحمه الله ثم الملك فيصل رحمه الله، وبعد تولي الملك خالد رحمه الله 1395 هـ - 1402 هـ.
استبدل العقال المقصب والذي كان يرتديه مع إخوانه بالعقال الأسود العادي وظل الملوك السعوديون يلبسونه حيث لبسه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حفظه الله.
الزي الرسمي
الزي السعودي الرسمي الخاص بالرجال عبارة عن قميص طويل مصنوع من القطن أو الصوف ويدعى ثوب, بالإضافة إلى الشماغ وهو عبارة عن قطعة قماش مصنوعة من القطن ومخططة بالأحمر ويثبت على الرأس بالعقال الأسود, أو الغترة وهي عبارة عن قطعة قماش بيضاء مصنوعة من القطن الخفيف, وكلاهما يلبسان على الرأس. في بعض المناسبات الرسمية كالأعياد وحفلات الزفاف يفضل بعض السعوديين إضافة إلى ما سبق ارتداء البشت أو المشلح. وهو ما درج عليه قادة هذه البلاد في مناسباتهم المختلفة، فإذا رأيت لباسهم عددتهم من أفراد شعبهم تواضعاً وتبسطاً.
العرضة
العرضة السعودية هي مجموعة من الرقصات الفلكورية ولكل منطقة في السعودية طريقة معينة، منها العرضة النجدية هي نتاج تطور لعادة عربية قديمة عرفها العرب منذ الجاهلية في حالة الحرب، رغم عدم وجود نصوص في التراث العربي القديم، يمكن من خلالها الربط بينها وبين واقع العرضة التي تعرف اليوم، إلا أن الملاحظ وبكل وضوح، أن أركان العرضة الأساسية كانت ملازمة للحرب منذ الجاهلية، فالطبول تقرع منذ القدم في الحرب، والسيف يحمل، والشعر الحماسي عنصر أساسي من عناصر الحرب. وتعد العرضة - وكما هو معروف - فناً حربياً كان يؤديه أهالي نجد بعد الانتصار في المعارك.
وذلك قبل توحيد أجزاء البلاد عندما كانت الحروب سائدة في الجزيرة العربية. ومن مستلزمات هذا اللون من الفن الراية والسيوف والبنادق لمنشدي قصائد الحرب، بينما هنالك مجموعة من حملة الطبول، يضربون عليها بإيقاع متوافق مع إنشاد الصفوف، ويطلق على أصحاب الطبول الذين يقفون في الخلف طبول التخمير، أما الذين في الوسط، فهم الذين يؤدون رقصات خاصة لطبول الإركاب، كما يوجد بالوسط حامل البيرق (العلم). وتقام في وقتنا الحاضر العرضة في مواسم الأعياد والأفراح والمناسبات الوطنية بحضور الأمراء والمواطنين. وقد واظب على أدائها المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود وكان يعشقها بلا حدود.
الملك عبدالعزيز والعرضة
أولى الملك عبدالعزيز اهتماماً كبيراً بالعرضة، فكان ينادي بإقامة العرضة قبل التوجه لمعارك التوحيد، فكما يذكر الأستاذ أحمد الوشمي في كتابه (الرياض مدينة وسكان) أنه إذا حدد الملك عبدالعزيز موعداً لغزوة فإنه يوفد رجاله إلى المدن والقرى والهجر والقبائل يدعوهم للنفير والتجمع في مكان وزمان يحدده بنفسه ثم تمر تلك القوات أمامه مستعرضة مرددة أغاني الحرب العرضة ثم تأخذ مكانها في منطقة التعسكر على يمين ويسار مقر القيادة ثم إذا قرر الملك عبدالعزيز التحرك فإن أول من يتقدم حامل راية الملك عبدالعزيز ثم تسير بقية القوات, كذلك إذا قرر الملك عبدالعزيز السير إلى الغز تضرب الطبول في الحارات وينادي المنادون الذين خصصهم الملك عبدالعزيز يمشون على البيوت والنخيل يستحثون الناس للحضور في المبرز ويسلم لهم بنادق حيث يقال لهم هناك مغزى فإذا قرروا السير إلى الغزو يضرب الطبل للتجمع في الحارات وإذا اجتمعوا بدأت كل حارة وحدها بالعرضة، ثم يبدأ أهالي الحارات والنخيل بالمسير وهم يعرضون، ثم يتوجهون للتجمع في المبرز وبعد تجمع المقاتلين في المبرز واكتمالهم يبدؤون المسير إلى الصفاة لمقابلة الملك عبدالعزيز ثم بعد ذلك التوجه إلى مكان الغزو, وبعد قفولهم راجعين في غزوهم يعودون إلى رقصة العرضة من جديد للتعبير عن الانتصار، وحينما يأتي البشير بذلك تبدأ العرضات.
غاب الشاعر فهد بن دحيم عن العرضة في إحدى المرات ففقده الملك عبدالعزيز فقال ائتوني به ولو محمولاً فجاء يغالب مرضه وهز سيفه وأنشد:
نجد شامت لبوتركي وأخذها شيخنا
واخمرت عشاقها عقب لطم اخشومها
فاهتز الملك عبدالعزيز وتناول سيفه وجعل يتثنى بين جنده مفتخراً مزهواً وزاد الجند حماسة واستجابة وفداء, أهازيج الحرب وشعر العرضة. ويذكر الأديب عباس محمود العقاد حب الملك عبدالعزيز للعرضة ويقول:
ومن أحب الرياضات إلى جلالته رقصة الحرب التي يرقصها مع المواطنين وهم مقبلون على الميدان، وهي رقصة مهيبة متزنة تثير العزائم وتحيي في النفوس حرارة الإيمان، ويتفق أحيانا، أن يستمع جلالته إلى أناشيدها ويرى الفرسان، وهم يرقصونها، فتهزه الأريحية ويستعيد ذكرى الوقائع والغزوات فينهض من مجلسه ويزحزح عقاله ويتناول السيف وينزل إلى الحلبة مع الفرسان فترتفع حماستهم حين ينظرون إلى جلالته في وسطهم.
طريقة العرضة
بالنظر إلى طريقة أداء العرضة السعودية فإننا نجد أنه يغلب عليها أداء الكورال الذي يكرر أبياتا معينة ثم تليها الرقصة التي عادة ما تكون عبارة عن رفع للسيف وتمايل جهة اليمين أو جهة اليسار مع التقدم لعدد من الخطوات إلى الأمام. ويكون عادة المنشدون في صف واحد وتستخدم فيها أنواع مختلفة من الطبول يطلق على الكبيرة منها اسم طبول التخمير، والصغيرة طبول التثليث التي اكتشفت مع العرضة السعودية في نفس الوقت بهدف رفع المعنويات، وكذلك لاستعراض القوة قبل الخروج إلى الحروب. وعندما اكتشف المحاربون أن الأصوات لا تكفي لأداء الغرض تم وبالعودة إلى الأزياء التي تستخدم في العرضة إدخال عنصر الإبهار الجمالي في تشكيلات هذه الرقصة، لذا فقد اهتم الراقص بإظهار الأسلحة وأدوات الحرب والقتال طوال هذه الرقصة.
لباس أهل العرضة
لباس أهل العرضة في ذلك الحين لا يعتبر لباسا خاصا، بالمعنى المعروف لدينا حاليا إنما هو اللباس السائد في ذلك الوقت إضافة إلى ما يحتاجه المحارب من حزام ذخيرة وسلاح، من هنا فإن هيئة المشارك في العرضة هي ارتداء ثوب الشلحات (المرودن) ويرتدي عليه الصاية، أو الجوخة أوالزبون أوالمزوية، إضافة إلى الشماغ أو غترة الشال يجعل عليها العقال أو العمامة، ويرتدي على صدره فوق الثوب الحزام المملوء بالذخيرة من الرصاص، والمجند والمشلح والقرن والخنجر في وسطه والسيف بيده، وقد يحمل الجفير على جنبه الأيسر معلقا بخيط على كتفه ويكون وضع المجند على جنبه الأيمن والمشلح على جنبه الأيسر والقرن على جنبه الأيمن، وبهذا فإن هيئة المشارك في العرضة جميلة بهذا التناسق والتنظيم في اللباس.
وفي وقتنا الحاضر فإن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود من عشاق العرضة السعودية، ويحرص حفظه الله على أدائها مرتدياً الزي التراثي في المناسبات الوطنية كالجنادرية وغيرها، إحياء لهذا الموروث الأصيل الذي تتناقله الأجيال السعودية جيلاً بعد جيل.