إعداد - بندر الحربي
تنتهج المملكة العربية السعودية سياسية خارجية حظيت ولازالت بإعجاب الكثير من المحللين وصناع القرار في المحافل الدولية لما تتضمنة أجندات تلك السياسة من تكتيكات وخطوات تنفيذ للأهداف تتسم بالحصافة والذكاء والاعتدال والتمرس. وعندما نحاول أن نتلمس الأسس العامة للسياسة الخارجية نجد أنها تقوم على رزمة من مبادئ وثوابت ومعطيات جغرافية - تاريخية - دينية - اقتصادية - أمنية - سياسية وضمن أطر رئيسة أهمها حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج والجزيرة العربية، ودعم العلاقات مع الدول العربية والإسلامية بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول ويدافع عن قضاياها، وانتهاج سياسة عدم الانحياز وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة ولعب دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية. وتنشط هذه السياسة من خلال عدد من الدوائر الخليجية، العربية، الإسلامية، الدولية وفقاً لما يلي:
البعد الخليجي للسياسة الخارجية السعودية:
منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود والدائرة الخليجية تعتبر من أهم دوائر السياسة الخارجية السعودية، وذلك لأسباب عدة أهمها أواصر القربى والارتباط التاريخي والجوار الجغرافي المميز الذي يجمع المملكة بدول الخليج العربية إلى جانب تماثل الأنظمة السياسية والاقتصادية القائمة فيها.
ويمكن تلخيص أهم الأسس والمعايير التي تقوم عليها سياسة المملكة الخليجية بالآتي:
- أن أمن واستقرار منطقة الخليج هو مسؤولية شعوب ودول المنطقة.
- حق دول مجلس التعاون في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها بالطرق التي تراها مناسبة وتكفلها مبادئ القانون الدولي العام، وذلك في مواجهة أية تحديات خارجية كانت أم داخلية.
- رفض التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول والعمل على الوقوف صفاً واحداً أمام أي اعتداء على أي من هذه الدول معتبرة أياه إعتداءً على البقية.
- تعزيز التعاون فيما بين المملكة وبين دول المجلس وتنمية العلاقات في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، الأمنية، الاجتماعية، الثقافية ...إلخ، من خلال تعميق وتوثيق الروابط والصلات التي تجمعها مع هذه الدول.
- تنسيق السياسات الخارجية لدول المجلس قدر الإمكان وبخاصة تجاه القضايا الإقليمية والدولية المصيرية، وقد برز هذا التنسيق والتعاون جلياً في الأزمات التي مرت بالمنطقة وخاصة الحرب العراقية- الإيرانية، والغزو العراقي للكويت.
- العمل الدؤوب والجاد على تصفية كافة الخلافات (خاصة الحدودية) بين دول المنطقة بالتفاهم القائم على مبادئ الأخوة وحسن الجوار.
- الحرص الشديد على أهمية التنسيق الاقتصادي بين دول المجلس من خلال الحث المستمر على توحيد السياسات الاقتصادية وإقامة الصيغ التكاملية الملائمة مع إيلاء عناية خاصة للتنسيق حول السياسات النفطية لدول المجلس بما يخدم مصالحها باعتبار أن النفط سلعة استراتيجية لهذه الدول.
ثانياً: البعد العربي للسياسة الخارجية السعودية
أدركت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على أهمية العمل العربي المشترك وتوحيد الصف العربي، لذا فقد سعت مع ست دول عربية مستقلة آنذاك للاجتماع في محاولة صادقة لوضع آليه لتنظيم العلاقات العربية والعمل العربي المشترك ولخدمة مصالح هذه الدول وقضاياها، فكان إنشاء (جامعة الدول العربية) والتوقيع على ميثاقها في شهر مارس من العام 1945م.
وهذا ما يتضح أيضاً من خلال رزمة من المعايير والثوابت التي تقوم عليها السياسة العربية للمملكة:
- حتمية الترابط بين العروبة والإسلام، فالمملكة تمتاز بكونها مهد الإسلام ومنبع العروبة، وهذا تأكيد سعودي دائم منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وأبنائه من بعده.
- ضرورة التضامن العربي بما يقتضيه ذلك من التنسيق بين الدول العربية بهدف توحيد المواقف العربية وتسخير كل الإمكانيات والموارد التي تملكها الدول العربية لخدمة المصالح العربية.
- الواقعية والمتمثلة في البعد عن الشعارات والمزايدات المضرة لأمن واستقرار العالم العربي، والبعد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
- الالتزام بمبدأ الأخوة العربية من خلال تقديم الدعم والمساعدة بكافة أشكالها.
ونظراً لما للمملكة من مكانة ومصداقية في محيطها العربي، وما تتسم به سياستها من توازن وعقلانية فقد لعبت دوراً مهماً كوسيط نزيه ومقبول لحل الخلافات العربية (الداخلية والإقليمية)، انطلاقاً من اهتمام المملكة بالمحافظة على التضامن العربي. وقامت بجهود توفيقية عظيمة هدفها إزالة الخلافات العربية الجانبية التي تفت في عضد ووحدة الصف العربي. والأمثلة على ذلك كثيرة فمن جمعها للإخوة الفلسطينيين في مكة وإبرام وثيقة مكة، وقبل ذلك توقيع ألوان الطيف السياسي العراقي على وثيقة تحريم الدم العراقي في مكة مروراً بالصومال وجهدها الدائم من أجل الحفاظ على سلامة لبنان واستقراره وغير ذلك الكثير من الجهد والبذل على المستوى السياسي الخارجي.
ولا نجانب جادة الصواب إن قلنا أن القضية الفلسطينية كانت ولازالت هي المحور الأهم في السياسة الخارجية السعودية التي أولتها كل الاهتمام وجل الرعاية وطرحت المبادرات والمشروعات السلمية من أجل الوصول إلى حلها وإعادة الحقوق المستلبة إلى أهلها, سواء كان ذلك بالمنافحة والدفاع عن الإخوة الفلسطينيين وحقوقهم أو عبر الدبلوماسية السعودية التي كرست الكثير من تأثيرها لخدمة القضية ومساندة أصحابها.
ثالثاً: البعد الاسلامي
كان الإسلام ولا يظل أهم العوامل المؤثرة في عملية تحديد أولويات السياسة الخارجية السعودية. فالمملكة العربية السعودية ومنذ نشأتها تعمل على حشد وتكريس قدراتها ومواردها وتسخيرها لخدمة قضايا العالم الإسلامي وتحقيق أسباب ترابطه وتضامنه استناداً إلى حقيقة الانتماء إلى عقيدة واحدة، وأن التكافل الإسلامي هو السبيل لاستعادة المسلمين لمكانتهم وعزتهم. وفي سبيل تحقيق التضامن الإسلامي سعت المملكة وبادرت مع شقيقاتها الدول الإسلامية بإقامة منظومة من المؤسسات الإسلامية الحكومية وغير الحكومية ومنها رابطة العالم الإسلامي في عام 1962م، ومنظمة المؤتمر الإسلامي في عام 1969م، واحتضنت المملكة مقريهما. وينبع ذلك الجهد من التصور التكاملي لمعنى التضامن الإسلامي الذي يشمل عدة مفاهيم لعل أهمها مفهوم الأمن الجماعي للدول الإسلامية، والعمل على تسوية المنازعات بين الدول الإسلامية بالطرق السلمية، وتقديم المعونات الاقتصادية للدول والمجتمعات الإسلامية ذات الإمكانيات المحدودة، وتقديم المساعدة والإغاثة العاجلة للدول الإسلامية المنكوبة، ومناصرة المسلمين والدفاع عن قضاياهم وتوفير الدعم المادي والمعنوي للتجمعات الإسلامية أينما كانت من خلال المساهمة السخية في بناء المساجد وإنشاء المراكز الحضارية الإسلامية. ويمكن القول أن السياسة الخارجية السعودية في الدائرة الإسلامية تسعى إلى تحقيق الأهداف التالية:
1 - تحقيق التضامن الإسلامي الشامل.
2 - فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية تهدف إلى دعم قدراتها ومواردها على مختلف المستويات.
3 - التصدي للاجتياح الثقافي والغزو الفكري الذي يهدد العالم الإسلامي بأشكال وأساليب مختلفة.
4 - العمل على تطوير منظمة المؤتمر الإسلامي ودعم أدائها لتحقيق المزيد من الفاعلية لمواجهة المشكلات التي يتعرض لها العالم الإسلامي.
5 - تفعيل دور الدول الإسلامية في ظل النظام العالمي الجديد.
6 - تقديم الدعم والنصرة للأقليات المسلمة في جميع دول العالم، والدفاع عن حقوقهم الشرعية وفق مبادئ القانون الدولي العام.
7 - تقديم الصورة المشرقة والحقيقة للدين الإسلامي وشريعته السمحة والذود عن حياض الإسلام من جميع ما ينسب إليه من ادعاءات وافتراءات محضة كالإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان.
رابعاً: البعد الدولي
تحرص المملكة العربية السعودية في المجال الدولي على إقامة علاقات متكافئة مع القوى الكبرى التي ارتبطت معها بشبكة من المصالح التي يمكن وصفها بأنها جاءت كانعكاس لدورها المحوري المتنامي في العالمين العربي والإسلامي، والتي سعت من خلالهما إلى توسيع دائرة التحرك السعودي على صعيد المجتمع الدولي، لذا تحاول المملكة أن تتفاعل مع مراكز الثقل والتأثير في السياسة الدولية آخذة في الحسبان كل ما يترتب على هذه السياسة من تبعات ومسؤوليات.
وتعتز المملكة العربية السعودية بكونها أحد الأعضاء المؤسسين لهيئة الأمم المتحدة في عام 1945م، انطلاقاً من إيمان المملكة العميق بأن السلام العالمي هدف من أهداف سياستها الخارجية، فهي تدعو باستمرار إلى أسس أكثر شفافية للعدالة في التعامل بين الدول في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها باعتبارها السبيل الوحيد إلى الازدهار والرخاء والاستقرار في العالم، ومن ثم فإنها لا تؤمن باستخدام القوة كأداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية، ولكنها تؤمن في ذات الوقت بحق الدفاع المشروع عن النفس وذلك كقاعدة من قواعد القانون الدولي.
وإيماناً من المملكة العربية السعودية بأهمية الدور الذي تلعبه هئية الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة والمنظمات الدولية عموماً في سبيل رقي وازدهار المجتمع الدولي في كافة المجالات وفي مقدمتها الأمن والسلم الدوليين، فقد انضمت المملكة إلى كل هذه المنظمات وحرصت على دعم هذه المنظومة الدولية بكل الوسائل والسبل المادية والمعنوية والمشاركة الفاعلة في أنشطتها.
ويمكن القول أن السياسة الخارجية السعودية في المجال الدولي تستند على أسس ومبادئ مستقرة وواضحة، ومنها:
- حرص المملكة على التفاعل مع المجتمع الدولي من خلال التزامها بميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المنضمة إليها وقواعد القانون الدولي التي تحدد إطار السلوك العام للدول والمجتمعات المتحضرة.
- التزام المملكة بعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية وبعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وشجب العنف وجميع الوسائل التي تحل بالأمن والسلم الدوليين، والتأكيد على مبدأ التعايش السلمي بين دول العالم.
- الحرص على استقرار أسواق النفط العالمية، والسعي لتنمية التجارة الدولية على أسس عادلة ومن خلال أسس اقتصاديات السوق الحر.
- صبغ السياسة الخارجية السعودية بصبغة أخلاقية من خلال تبنيها لمبدأ مساندة ضحايا الكوارث الطبيعية والمشردين واللاجئين في العديد من دول العالم.
في الختام يمكن إيجاز الثوابت والمبادئ الأساسية للسياسة الخارجية السعودية عموماً فيما يلي:
الانسجام مع مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء باعتبارها دستوراً للمملكة العربية السعودية.
1 - احترام مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة ورفض أي محاولة للتدخل في شؤونها الداخلية.
2 - العمل من أجل السلام والعدل الدوليين، ورفض استخدام القوة والعنف وأي ممارسات تهدد السلام العالمي أو تؤدي إلى تكريس الظلم والطغيان.
3 - إدانة ورفض الإرهاب العالمي بكافة أشكاله وأساليبه، والتأكيد على براءة الإسلام من كل الممارسات الإرهابية.
4 - الالتزام بقواعد القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية والثنائية واحترامها سواء كان ذلك في إطار المنظمات الدولية أو خارجها.
5 - الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية من خلال الدعم المتواصل بشتى الوسائل السياسية والدبلوماسية والاقتصادية.
6 - عدم الانحياز ونبذ المحاور والأحلاف التي تخل بالأمن والسلم الدوليين، مع احترام حق الشعوب في تقرير المصير وحقوقها المشروعة في الدفاع عن النفس.
7 - تطبيق سياسة متزنة ومتوازنة في مجال إنتاج وتسويق النفط، نظراً للثقل الذي تمثله المملكة كأحد أكبر المنتجين وصاحب أكبر احتياطي نفطي في العالم.