الزكاة هي نظام مالي قبل أن تكون نظاما تشريعيا وفقهيا وسلوكيا، وتعرف الزكاة في الفقه الإسلامي بأنها الجزء المخصص للفقراء والمحتاجين من أموال الأغنياء، وتحتسب الزكاة بنسبة 2.5% من المدخرات السنوية إذ تجاوزت قيمته قيمة معينة تعرف بالنصاب، وللزكاة أوجه عدة وقنوات متفرقة ذكرها القرآن الكريم منها لفقير والمسكين، والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب وابن السبيل والغارمين.., وأنا هنا لن أتطرق للزكاة من المنظور الشرعي بل من المنظور الاقتصادي, ولأهمية هذه الشعيرة بل هذا الركن العظيم وهو الركن الخامس من أركان الإسلام إنه لا يكتمل الإسلام دون هذا الركن, وقد ورد لفظ كلمة الزكاة في القرآن الكريم، وقرنت مع الصلاة في أكثر من 80 آية, والزكاة كونها شعيرة يلتزم بها المسلم ليطهر ماله وتجارته فهي ترتبط بقلوب المسلمين برباط روحي وأخروي، والزكاة في الإسلام هي أول نظام عرفته البشرية لتحقيق العدالة الاجتماعية والإنسانية لرعاية الفقراء والمساكين والمحتاجين حيث يعاد فيها جزء من ثروات الأغنياء على الطبقات الفقيرة في المجتمع ليعم الرخاء وتسود العدالة وتخفت درجة الضغينة والحسد من الفقير على الغني، وشرع الله سبحانه وتعالى هذا الركن ليتعفف الفقير عن السؤال ويشعر صاحب الحاجة بتكاتف وتعاطف المجتمع، وكذلك يحيطه شعور بأن هناك إحساسا من الغني بحاجة الفقير وعوزه، إن الدين الإسلامي لما أتى وفرض هذا الركن وخاصة من الجانب التكافلي عنا أيما عناية بالفقير لتسود الرحمة والمودة بين طبقات المجتمع وتقل بذلك عناصر الجريمة والمعطيات المؤدية إليها, ويقول في هذا الجانب (ول ديراتت) (لن نجد في التاريخ كله مصلحا فرض على الأغنياء زكاة كما فرضه عليه محمدا بإعانة الفقراء) تقول الإحصائيات الصادرة من بعض الجهات أن الزكاة المسجلة في عام 2007 وصلت إلى حوالي ال7 مليارات، أقول هنا هذه هي الزكاة المسجلة فما بالكم بالمنفق من الزكاة وغير المسجل الداخل في اقتصاديات الظل، أنا أريد هنا أن تؤخذ نسبه من زكاة التجار المفروضة.
وتجمع تلك الزكاة وتوضع تحت تصرف مجلس تنفيذي يديره أهل العقد والمعرفة من رجال الأعمال والخبراء الاقتصاديين ليتم توجيه هذه الزكاة في المشاريع ذات الجدوى والعائد الاقتصادي العائد على رأس المال بكسب سريع ليتسنى لهؤلاء التجار تنميته واستثمار تلك المبالغ في المشاريع ذات العائد الربحي السريع حتى يتم تنميتها واستثمارها وتدويرها لزيادة رأس المال وعائدها الربحي ليكون خيرها على الفقير والمحتاج,قال لي أحد التجار في اقتراح تفاجأ منه المشاهد في برنامج حواري معه أعده وأقدمه باسم شركاء في التحدي قال لي: إنه يجب أن تقوم الدولة في يوم 29 شعبان من كل سنة باستقطاع مناسبته 2.5% على كافة أرصدة رجال الأعمال وفي كافة البنوك!! فقلت له على الأرصدة التي تزيد عن العشرة ملايين فأستحسن الفكرة، ومن خلال هذا التشريع تزداد المودة بين طبقات المجتمع، وتقل بذلك عناصر الجريمة والمعطيات المؤدية إليها، وللزكاة هنا وجه آخر في علم الاقتصاد فالزكاة تدفع برجال الأعمال إلى البعد عن الأثر التآكلي التي تحدثه من وجهة نظرهم فيندفعون إلى مد حلقات الاستثمار بكل أرصدتهم وثرواتهم إلى مشاريع ذات عائد قادر على الأقل على تعويض ماتأخذه الزكاة وهذه وجهة نظر اقتصادية وليست تشريعية، وأيا كان الأمر فهي بالتالي تعطي الأفراد ورجال الأعمال إلى تحريك ودفع المدخرات والمخزونات والمكنوزات إلى مجال الاستثمار وتحريك العملية الاستثمارية داخل أي مجتمع ومن ثم تحريك الدورة الاقتصادية والحراك المالي الذي يستفيد منه الفقير قبل الغني وهنا تكمن عظمة الإسلام وتعملقه في هذا المجال, ومن أعظم ماجاء به الإسلام ومن المنظور الاقتصادي إن الزكاة لا تعطى للفقراء القادرين على العمل إلا بقدر ما يشتري لهم من معدات إنتاجية التي يستطيعون أن يتكسبوا ويصبحوا عناصر مؤثرة في الاقتصاد الكلي ليتحولوا إلى عناصر منتجة بدل أن كانوا عبئا على أنفسهم ومجتمعاتهم وفي القصة العظيمة التي تؤكد على هذا المنحى قصة الفقير الذي أتى إلى الرسول الله- صلى الله عليه وسلم- يطلب الزكاة فأمر عليه الصلاة والسلام أصحابه أن يجهزوه ليحتطب وأشار إلى الرجل أن يحتطب ليأكل من عمل يده، وللزكاة في ديننا الإسلامي منحنى اقتصادي مؤثر في المجتمعات الاقتصادية تأثيرا إيجابيا على كافة مفاصل المجتمع، فالربا مثلا يقوم على كنز المال وادخاره وأخذ الفائدة منه، ومن ثم يتمركز هذا المال في أيدي أناس محدودين، وبالتالي لا تستفيد حلقة ودائرة الاقتصاد.
من هذه العملية فكافة أطراف هذه الحلقة معطلة، بينما في الزكاة يقوم التاجر بتحريك المال والاستفادة منه وتحقيق الربح من خلاله حتى يستطيع مضاعفة أرباحه وتحريك عملية ودائرة حلقة الاقتصاد والدورة المالية، وكذلك دفع زكاته ومن هنا يتبين عظمة وحكم هذا الدين الإسلامي.
وأدعو القارئ الكريم أن يطلع على تجربة صندوق الزكاة في مملكة البحرين، وكذلك الإمارات العربية المتحدة وأيضا ديوان الزكاة السوداني ليتعرف على ما تقوم به تلك الدول من صنيع جميل، وأناشد في هذا المقام وزارة الشؤون الاجتماعية أن تستفيد من تلك التجارب إن وجدت فيها ما يعينها على ذلك، يقول أحد الخبراء الاقتصاديين في هذا المجال (إن تطبيق التخصيص في الدول النامية سوف يحدث أثرا كبيرا في زيادة الإيرادات العامة لأنه يجعل الربط بين النفقات والإيرادات واضحا مما يدفع المواطن لدفع الضريبة المفروضة عليه، وربما هدف القرآن من وراء ذلك إلى أهداف أخرى حتى لا تستغل إيرادات الزكاة لمصارف أخرى من غير تلك الواردة في القرآن الكريم) وسأعود في مقال لاحق بمشيئة الله إلى البحث في هذا المجال وأثر الزكاة الإيجابي على كافة مفاصل المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
Kmkfax2197005@hotmail.com