Al Jazirah NewsPaper Tuesday  23/09/2008 G Issue 13144
الثلاثاء 23 رمضان 1429   العدد  13144
قوة الشعوب في القوقاز
أنجيليكا أروتيونوفا

طيلة الشهر الماضي كان النساء في جورجيا اللاتي اضطررن إلى النزوح من أبخازيا أثناء الصراع في العام 1993م يشاهدن التاريخ وهو يرجع إلى الوراء؛ فها هو كل ما عشنه منذ خمسة عشر عاماً يتكرر من جديد. والآن يستضيف هؤلاء النسوة فيضاً جديداً من المدنيين النازحين من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية بعد التدخل العسكري الروسي في هذين الإقليمين، ومن داخل المناطق الجورجية التي احتلتها القوات الروسية منذ الغزو.

في تبليسي وحدها هناك أكثر من خمسمائة معسكر للنازحين داخلياً، وأكثرهم من النساء والأطفال الذين يفتقرون بشدة إلى الغذاء والإمدادات الطبية.

الحقيقة أن أهل جورجيا اليوم نادراً ما يعربون عن تأييدهم لرئيسهم ميخائيل ساكاشفيلي الذي تسبب بمحاولته الحمقاء لاستعادة السيطرة على جنوب أوسيتيا في استفزاز روسيا ودفعها إلى هجر مهمتها في حفظ السلام في المنطقة وتكريس كامل قوتها العسكرية لطرد القوات الجورجية من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، ثم احتلال قسم كبير من جورجيا.

ولقد قصف الروس العديد من الأهداف الإستراتيجية والمدنية في جورجيا، الأمر الذي أدى إلى تدمير البنية الأساسية، فضلاً عن العجز المتزايد في الإمدادات من الغذاء والوقود والأدوية. يشعر الناس هناك باليأس والحيرة؛ فهم غاضبون من روسيا بسبب اعتداءاتها ومن حكومتهم التي استفزت الروس وتسببت في اندلاع هذا الصراع غير المتكافئ.

ظل الناس من مختلف القوميات والأعراق يعيشون في هذه المنطقة جنباً إلى جنب طيلة قرون من الزمان، فتشاطروا العادات والتقاليد، والخبز والشراب، وساد الاحترام المتبادل بينهم لثقافات ولغات الآخرين.

ولكن حين نرجع بالتاريخ إلى الإمبراطوريات الروسية والبريطانية والعثمانية التي تقاتلت هنا فلسوف نجد أن شعوب هذه المنطقة كانت دوماً موضعاً لاستغلال الساسة والجنرالات العسكريين.

إن الأطفال والنساء هم أكثر من يعاني في أوقات الصراع.

وإذا ما أضفنا إلى هذا قروناً من التقاليد الأبوية، وصدمات ما بعد الحرب طيلة خمسة عشر عاماً، وعشرين عاماً من الأزمة الاقتصادية، والاعتداءات الروسية الأخيرة، فلسوف يكون بوسعنا أن نبدأ في إدراك حجم المعاناة التي يتحملها النساء في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وجورجيا في هذه الأيام.

إلى جانب الخراب الشامل الذي تجلبه الحروب الحديثة، كان الجنود الروس الفقراء الغاضبون يعيثون فساداً فيسرقون الممتلكات التي خلفها المدنيون وراءهم ويغتصبون النساء.

فضلاً عن ذلك فقد كان غياب القانون سبباً في تحريض اللصوص وقطاع الطرق على عبور الحدود لنهب وسلب الممتلكات التي خلفها اللاجئون الفارون.

والتقارير الإخبارية و(التحليلات) التي تبثها القنوات الإعلامية المملوكة للدولة في روسيا وجورجيا، والتي تروج لصور سلبية (للعدو)، لا تخدم إلا كأداة لتوسيع الفجوة بين المجموعات العرقية.

أثناء الشهر الماضي شرع المواطنون المهتمون في كل من روسيا وجورجيا في بذل المحاولات لتأسيس التحالفات وإيجاد سبل التواصل بين الناس خارج إطار الهيئات الحكومية وأجهزة الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة.

فظهرت الأصوات التي تدعو الناس إلى العمل وتداول الناس على شبكة الإنترنت التصريحات التي دعت شعوب المنطقة إلى الوحدة وعدم السماح للحكومات بتشييد أسوار أعلى بينهم.

رغم الدعاية الحكومية، يتعين على شعوب المنطقة أن تتذكر أن الروس ليسوا من جنس متفوق على الجورجيين، والجورجيون ليسوا من جنس متفوق على أهل أوسيتيا الجنوبية أو أبخازيا، وهكذا.

لقد بات لزاماً علينا أن نكف عن هذه الصراعات الإقليمية المبنية على العزة الوطنية والرغبة في بسط السيطرة والحكم.

ولابد من الضغط على ساكاشفيلي لدفعه إلى التخلي عن جهوده الرامية إلى بسط السيطرة الكاملة على أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.

وفي نفس الوقت لابد من ممارسة الضغوط على الحكومة الروسية لحملها على سحب قواتها من القوقاز والسماح للشعوب هناك بتقرير مصائرها بنفسها.

لقد حان الوقت الآن لكي يتحد المدنيون الذين يتحملون وطأة الصراع في جورجيا وروسيا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، من أجل وقف ألعاب الشطرنج الإمبراطورية هذه التي تتسبب في مقتل الآلاف من الناس وتصيب الآلاف غيرهم بالعجز البدني والجراح المعنوية.

لقد آن الأوان لكي نساعد المجتمع المدني في هذه المنطقة في بناء عالم حيث الحكم للسلام، وليس الحرب.

ويتعين على الناشطين في الدفاع عن حقوق النساء في المنطقة أن يحرصوا على عدم السقوط في فخ غسيل الأمخاخ المتمثل في النعرة القومية والتصارع على الأرض، وعدم التحول إلى ألعوبة بين أيدي الساسة. ويتعين عليهم أن يثبتوا لحكوماتهم أنهم لن يستسلموا للإيديولوجيات المسببة للخلاف والشقاق.

أنجيليكا أروتيونوفا
مسؤولة البرامج الخاصة بأوروبا وكومنولث الدول المستقلة لدى الصندوق العالمي للنساء
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008. خاص بالجزيرة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد