تحقيق - منيرة المشخص:
لم يعد من المستغرب أن نشاهد عند إعلان دخول شهر رمضان المبارك طوابير طويلة وازدحاماً تعم الشوارع بل تصل إلى المشاجرات والمشادان بالأيدي لشراء المستلزمات الاستهلاكية، فالناس يدخلون في سباق مارثوني في عملية شراء مواد غذائية وغيرها سواء كانوا بحاجتها آم لا!! والغريب أن تلك الطوابير تتكرر كل يوم من أيام الشهر حتى تقارب أيامه من الأفول. تقول السيدة (منيرة فهد) وهي تضحك: لن أنسى منظر الناس وهي تهرول إلى أحد المتاجر الكبرى بعد إعلانه عن بيع عبوة عصير ويتم توزيع عبوة مجانية أخرى، فقد وصل التدافع إلى المشاجرة والعض وكأنهم قدموا من مكان بعيد لا غذاء فيه ولا ماء وسيقومون بشراء مخزون عام كامل. للأسف الشديد لقد بدأنا نفقد روحانية الشهر الفضيل.. بهذه الكلمات بدأ (محمد حسين) حديثه، وأضاف: من كثرة ما نشاهده من أطعمة تصف على الموائد بشكل متواصل وفي كل يوم نجد مختلف الأطعمة فيقبل الصائم على التهامها ومن ثم يصاب بالتخمة ويؤثر ذلك على أدائه للعبادات خاصة صلاة التراويح، والمحزن في الأمر أن أغلب تلك المأكولات مصيرها النفايات.
(رهف سعد) ألقت باللائمة على وسائل الإعلام حيث قالت: للأسف الشديد ما يتم عرضه من إعلانات تجارية عن عروض للأطعمة جعلتنا نهرول لشرائها، فبصراحة الطريقة الجاذبة التي تستخدم أثناء العرض توقعنا في براثن مطالب أزواجنا بالتنويع في الطبخ، ونحن كربات منزل نبحث عن كل ما يرضي الزوج فأقرب طريق إلى قلبه هو معدته، ومن ثم يؤثر ذلك على اهتمامنا بالعبادات من قراءة قران وصلاة التراويح.
تحدث لنا بذلك د عبد الرزاق بن حمود الزهراني أستاذ علم الاجتماع الاقتصادي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بقوله: رمضان موسم عبادة، وتقرب إلى الله، وتطهير للنفس، ولكنه إلى جانب ذلك تحول عند غالبية الناس إلى موسم للاستهلاك، وخاصة استهلاك الأطعمة المختلفة، ففي رمضان يزيد استهلاك الأسرة السعودية بنسبة 33% تقريباً، وتشير الإحصاءات إلى أن حوالي 45% من الطعام الذي يعد ينتهي إلى صناديق النفايات، ومثل هذا السلوك الخاطئ يستنزف الأموال، ويؤدي إلى تبذيرها وهذا محرم بنص القرآن الكريم، قال تعالى: (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً). ويواصل حديثة قائلاً: من ناحية أخرى، أصبح رمضان عند البعض موسماً لارتياد الأسواق لحاجة أو لغير حاجة، وكثير من مرتادي الأسواق، وهذه ظاهرة خاصة بالمدن، يعتبرون السوق مكاناً لقضاء وقت الفراغ، وأثبتت الدراسات أن الكثير من السيدات يذهبن إلى السوق دون أن يكون في ذهنهن شيء معين لشرائه، ولكنهن يعدن محملات بكثير من البضائع التي ترهق ميزانية الأسرة، وتضيع الأموال في أشياء ليست ضرورية، وإنما دافعها التفاخر، وإشباع الرغبة النفسية في الشراء لمجرد الشراء. ومن جانب آخر، حدت المسلسلات الرمضانية من التزاور بين الأقارب والجيران والأصدقاء، وحدت كذلك من التفاعل بين أفراد الأسرة، فالعيون مسمرة على التلفزيون، وكثير من تلك المسلسلات لا تتوافق مع روحانية رمضان، ومكانته بين الشهور.
ورغم ذلك فرمضان كما ذكرت سابقاً هو سيد الشهور، وله مكانته الروحية الخاصة، ويتابع فيه الناس نقل الصلوات والتراويح والبرامج الدينية من خلال التلفزيون والإذاعة والصحافة.
وعن كيفية توجيه الناس إلى الاقتصاد في شراء المواد الاستهلاكية فقد أوضح الدكتور عبد الرزاق ذلك بقوله: ثبت أن الإنسان الجائع عندما يذهب إلى السوق ليشتري المواد الغذائية يشتري أكثر من حاجته، فتحت وطأت الجوع يظن أنه سيأكل كل ما يراه معروضاً في السوق، ولقد جربت ذلك عندما كنت أدرس في الولايات المتحدة الأمريكية، فعندما أتسوق في العصر تكون الفاتورة مضاعفة، وعندما أتسوق في الليل تنقص إلى النصف، ولهذا قررت ألا أتسوق إلا بعد الإفطار، ولو طبق الناس هذه الطريقة لاختصروا على جيوبهم الكثير من الأموال، يضاف إلى ما تقدم أن السمنة زادت في المجتمع، وزادت أمراض العصر مثل أمراض القلب، والسكر، وضغط الدم، وأمراض الكلى، وثبت أن للطعام علاقة وثيقة بتلك الأمراض، وكثيراً ما يزيد استهلاك الحلويات في رمضان مما يعرض الناس للإصابة بمرض السكر، أو يفاقمه عند المصابين به، ولهذا يجب أن يقوم الإعلام بدور كبير في توعيه الناس بأضرار تجاوز الحدود في استهلاك الطعام، مالياً وصحياً ومعنوياً.
ويرى الدكتور عبد الرزاق الزهراني أن وسائل الإعلام قد ساهمت بتوجه الناس لشراء السلع وذلك بقوله: الدعاية علم قائم بذاته، وهي تركز على إقناع الناس بشراء السلع حتى لو لم يكونوا بحاجة لها، والدعاية ترتكز على علم الاجتماع وعلم النفس، وهي مؤثرة وخاصة في البسطاء من الناس، وهم كثر في مجتمعنا، والدعاية تحمل في طياتها الكثير من القيم الاجتماعية، وبعضها قد يكون غريباً على مجتمعنا، مثل استغلال جمال المرأة ودفعها للتكشف والسفور لإغراء الناس بشراء المنتج، ولا يشك أحد أن وسائل الإعلام أسهمت كثيراً في زيادة نسبة الاستهلاك في المجتمع، ويجب أن تقوم تلك الوسائل بدورها في توعية الناس بأضرار الاستهلاك غير الرشيد، خصوصاً أن معظم استهلاكنا يصب في خزائن الشركات الأجنبية التي تبيع لنا منتجاتها، وتسعى إلى إغرائنا بشرائها، حتى لو لم نكن بحاجة لها.
وتوجهنا بالحديث بعد ذلك إلى رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتورمحمد بن عبد الكريم الحمد حيث يقول: تهدف الجمعية إلى العناية بشؤون المستهلك ورعاية مصالحه والمحافظة على حقوقه والدفاع عنها وتبني قضاياه لدى الجهات العامة والخاصة، ووعن دور الجمعية فقد أوضح الدكتور الحمد ذلك قائلا: الجمعية أنشئت من أجل المستهلك وهي تخاطب وتدافع وتمثل المستهلك فقط، فكل عمل الجمعية هو لخدمة المستهلك وتبني قضاياه لدى الجهات العامة والخاصة واقتراح الأنظمة ذات الصلة بحماية المستهلك.
وإعداد الدراسات والبحوث وعقد المؤتمرات والندوات والدورات وإقامة المعارض ذات العلاقة بنظام حماية المستهلك ومساندة جهود الجهات الحكومية المعنية بحماية المستهلك وإبلاغ تلك الجهات بكل ما يمس حقوق المستهلك ومصالحه. وأخيراً تمثيل المستهلك في اللجان والهيئات المحلية والدولية ذات العلاقة بحماية المستهلك والتعاون معها والمشاركة بأنشطتها المتعلقة بأهدافها.
ويشير الدكتور محمد الى مهام الجمعية قائلاً: من مهام الجمعية الأساسية هو توعية المستهلك بطرق ترشيد الاستهلاك وتقديم المعلومات والاستشارات الضرورية له، ليس في شراء مستلزمات المنزل فقط وإنما في كل أنواع الإنفاق سواء كانت مواد غذائية أو استهلاكية أو كمالية أو خدمات مقدمة له وعدم التركيز على ماركات معينة فقط وإنما اختيار بدائل ذات جودة أفضل وسعر أقل.
وشدد الدكتور محمد على دور المرأة حيث قال: دور المرأة في الجمعية دور أساسي ومهم حيث إن المجلس التنفيذي للجمعية يضم سيدتين، علماً بأن المرأة هي المستهلك المستهدف من القطاع التجاري وهي التي تجد نفسها في الأسواق لذلك هي عين الجمعية وساعدها في تحقيق أهدافها لذلك أجدها فرصة مناسبة أدعو أخواتي لشراء مستلزمات العيد قبل دخول العشر الأواخر من رمضان.
وحول قيام بعض المحلات بتقديم عروض جاذبة للمستهلك مثل (اشترِ منتجاً واحصل على الآخر مجاناً) ودور الجمعية إزاء ذلك، أوضح الدكتور الحمد بقوله: حيث إن هذا يعد تضليلاً في الإعلان فإن دور الجمعية أولاً هو التحقق من ذلك وبعد ذلك مخاطبة الجهة صاحبة الإعلان والرفع بعد ذلك للجهات المختصة ومتابعة ذلك معها.
واستطرد قائلاً: لكن هذه العروض في الغالب هي عروض صحيحة ويجب على المستهلك أن يكون واعياً وأن يلاحظ تاريخ الصلاحية وكذلك السعر، فالدور المهم الآن على المستهلك بأن يعرف دوره وواجبه وأن يكون واعياً.
واختتم الدكتور حديثه قائلاً: الجمعية تحتاج ما لا يقل عن (6) أشهر في حال توفر الاعتمادات المادية لبدء نشاطها والحصول على الكوادر المؤهلة وبناء عليه فالجمعية تحتاج إلى عدد كبير من الكوادر والفروع في مدن المملكة الرئيسة لكي تحقق الجمعية أهدافها وما أنشئت من أجله.
صوم معناه ترك متع الدنيا
ونختم الآراء مع رئيس قسم العلوم الإنسانية في كلية الملك خالد العسكرية الدكتور جمعة بن خالد الوقاع حيث يقول: ما ما نشاهده في هذه الأيام من اختفاء لروحانية هذا الشهر الفضيل فهي أمور ملموسة ومشاهدة وممارسات لا تتفق مع الحكمة من فرضية الصوم، فنشاهد الإسراف في المأكولات والمشروبات، والسهر بما لا يعود بأي فائدة على الإنسان في دنياه وآخرته، كما يقل صبر الكثير من الصائمين في هذا الشهر فهم سريعو الغضب وهذا يتنافى مع مقتضيات الصوم، ونشاهد الكثير من الصائمين يتعود على الكسل وعدم الإنتاجية في هذا الشهر وكأن رمضان نوم بالنهار وأكل في الليل.
ويوضح رئيس قسم العلوم الإنسانية أسباب ذلك وكيفية معالجته بقوله: السبب في ذلك يعود لعدم فقه الناس ومعرفتهم بأحكام الصيام الحسية والمعنوية، فهم يظنون أن الصوم هو مجرد الإمساك عن المأكولات والمشروبات.
ومن أهم الآثار المترتبة على ذلك مخالفة مقاصد الشريعة والمراد من الصيام، وعدم إدراك الحكمة من مشروعية الصوم.
وعلاج ذلك يعود لوسائل الإعلام و للدعاة وأصحاب الرأي وأرباب الأسر بحيث يبينوا للناس الحكمة من الصوم والمقاصد الشرعية المترتبة على ذلك وأن يكونوا قدوة عملية ومثل يحتذى في كل تصرفاتهم في هذا الشهر الكريم، بحيث ينعكس ذلك على سلوك الناس وأخلاقهم وتصرفاتهم.