Al Jazirah NewsPaper Wednesday  17/09/2008 G Issue 13138
الاربعاء 17 رمضان 1429   العدد  13138

رمضان في ثقافة الشعوب
وسيلة محمود الحلبي

 

بركات شهر الصوم تزهو بالهنا

والنور يسطع بالمكارم بيننا

رمضان عنوان الفضائل كلها

إن جاء تذهب كل ألوان العنا

والرزق يزداد اتساعاً عندما

يأتي بموكبه البهيج إلى هنا

فالله يغدق بالصيام مواهباً

شتى بتحقيق المطالب والمنى

إنه رمضان شهر الخير والبركات، والعمل المخلص والعبادات .. شهر الانتصارات، شهر غسل الخصومات، شهر الطاعات، شهر المتاجرة مع الله في الأعمال الصالحات من صيام وصلاة وصدقات وقراءة للقرآن والأذكار والدعاء. فأهلاً يا رمضان .. أهلاً .. ومرحباً ألف.

رمضان هو الخضوع لله تبارك وتعالى والذل بين يديه والانكسار إليه. وهو تذكير بإخواننا الفقراء والمعوزين والأرامل والمساكين والأيتام والمرضى حتى نتذكرهم ونتفقّدهم ونجود عليهم بشيء مما تفضّل الله به علينا. والصيام سر بين العبد وربه فقال الله تعالى في كتابه العزيز: (كل عمل ابن آدم له إلاّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) .. والصيام يربي النفوس على تحمل الشدائد والصبر على المكاره، بالإضافة إلى فوائده الصحية .. فهو إجازة للجهاز الهضمي ليحصل على الاستجمام في فترة الصيام .. والصيام هو الصبر على طاعة الله والبعد عن معصيته، والصيام هو الصمت عن الكلام الفاحش من كذب وغيبة ونميمة ونحوها .. والصيام هو الثقة بالله ووعده ثم الثقة بالنفس على الأعمال الناقصة .. والصيام هو عزة النفس عما في أيدي الناس.

يقول الأمير تميم بن الخليفة المعز لدين الله:

يا شهر مفترض الصوم الذي خلصت

فيه الضمائر والإخلاص للعمل

أرمضت يا رمضان السيئات لنا

لشر بنا للتقى علاً على نهل

وليت شهر حول غير منقطع

صومٌ وبرٌ ونسكٌ فيه متصل

ورمضان ارتبط بالأذهان بالصيام، والصيام لغة الصمت والإمساك.

واصطلاحاً: إمساك المسلم البالغ العاقل عن كل ما يفسد الصيام من أكل وشرب وتصرفات وجوارح. وصيام رمضان ركن من أركان الإسلام فرض على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما فرض على الأمم السابقة. قال تعالى في كتابه العزيز (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)، وجاء في السنّة النبوية أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر).

ويصوم المسيحيون أربعين يوماً عن (الدسم) بينما اليهود يصومون أيام الحداد وأوقات المخاطر ولطلب المغفرة، ولا يزال (يوم الغفران) يوم صوم في التقويم العبري. وبعيداً عن الأديان السماوية .. فقد عرفت فوائد الصوم الصحية والنفسية والاجتماعية. فقد كان المصريون القدماء يعتقدون أنّ عماد الصحة صيام ثلاثة أيام في الشهر، وقد أشاد بذلك المؤرخ (هيرودوس). وفي اليونان القديمة كانوا يعتقدون أنّ صوم يوم أفضل من تعاطي العلاج. وكان سقراط وأفلاطون وفيثاغورس يعمدون للصيام للوصول إلى ذروة الاتقاد الذهني والتخلص من طغيان الجسد. وفي الهند كانت عادة الإمساك عن الطعام (بين السجناء) لإجبار سجانيهم على تحسين أوضاعهم والانقياد لمطالبهم. وكان السوريون القدماء والزرادشتيون يتركون الطعام كل خامس يوم من الشهر .. بينما المنغوليون كانوا يتركون الطعام كل عاشر يوم منه. وقد وصف الأطباء العرب الصوم لعلاج السيفلس والجدري، وتوسع في ذلك ابن سينا ووصف الصوم لعلاج جميع الأمراض المزمنة. وعندما احتل نابليون مصر جرى تطبيق الصوم في المستشفيات لاتقاء العدوى وعلاج الأمراض التناسلية. والصوم بهدف التطبيق فهو أفضل أسلوب علاجي معترف به في الغرب، وهناك عدد من الكتب والمؤلفات في هذا الغرض.

وإذا كان العرب واليهود والنصارى قد أكدوا على محاسن الصوم وفضله .. فنحن الأجدر منهم لإدراك فوائد الصوم، وأن نتخذه وسيلة لتهذيب النفس وتحسين الصحة. وفوق ذلك فهو فريضة ووسيلة للتواصل بين العبد وربه قال تعالى: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به).

فهذا هو رمضان شهر الخير والبركات فهل نكرم وفادته فهنيئاً لنا بشهر أوله رحمه وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار .. إنّ لله أياماً وشهوراً وأماكن خصها وميّزها عن غيرها، ورمضان شهر فضّله الله على غيره من الشهور وكتب صيامه على المسلمين .. قال تعالى (يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). والصيام ليس الامتناع عن الطعام والشراب فقط .. بل قال صلى الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) .. فعلينا اغتنام الفرص التي هيأها الله سبحانه وتعالى طمعاً في كريم عطائه .. وتعرضاً لنفحات عفوه ومغفرته، والتي منها أيام وليالي هذا الشهر الذي تعتق فيه الرقاب من النار .. ولنعي أن رب رمضان هو رب الشهور كلها، فلتكن خشيتنا للواحد القهار متصلة على أرضه وتحت سمائه.

لحظة صدق:

قال الشاعر:

عجبت ليوم يصوم الفتى

عن الأكل حتى مغيب الشفق

وقد أطلق العين أنى هوت

وعاب اللسان بذا ونطق

فكيف الصيام وقد صمتوا

عن الخير والشر كان الطبق؟

وأعجب منه امرأ يتقي

عن الشر فازداد طهراً ورق

فلما تجلى له العيد عاد

إلى شهوة النفس والمعتنق

وما ظنه أن باق الشهور

لها رب شهر به لم يبق!!

للتواصل: تليفاكس 2317743

ص. ب 40799 الرياض 11511


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد