الفيل والحمار إسمان بارزان في عالم الحيوان ويشتهر الأول بضخامة جسمه وطول خرطومه وبأنه يعرف كيف يختار طريقه في الجبال الوعرة والغابات لدرجة أن الإنسان يتعلم منه ويعتمد على آثار سيره إذا أراد أن يشق طرقات في المناطق الجبلية وبأنه إذا مرض يبحث عن نوع معين من الشجر في الغابة ويعالج نفسه بتناوله أوراق ذلك الشجر، وقد خصه الأمريكيون الجمهوريون بميزة خاصة إذ أن الحزب الجمهوري قد اتخذه رمزاً لهم يحطم الخصم أي الحزب الديمقراطي الأمر الذي يدعو الإنسان للتساؤل عن العبرة في ذلك الاختيار والمغزى الذي يرمي إليه حزب كبير كالحزب الجمهوري وهل يتبنى الحزب خصائص هذا الحيوان ويطبقها أم أنه مجرد رمز فقط.
وأما الحيوان الثاني أي الحمار فإنه يتصف بالصبر على المكاره وخدمة الإنسان وهو صامت وبأنه لديه من الذكاء ما يمكنه من معرفة طريقه في الذهاب إلى بيت صاحبه دون أن يرشده أحد، ويروى في هذا المجال أن لصاً سرق حماراً وذهب به إلى السوق لبيعه وصدف أن صاحبه قد تواجد في السوق لشراء بديل لحماره المسروق، وفجأة شاهد حماره فصاح حماري.. حماري.. ولكن اللص قال: هذا حماري، هذا حماري، وبعد عراك ذهبا إلى القاضي وكان كل منهما يردد حماري حماري، وعندها قال لهما القاضي: لنترك الحمار وحده وسيكون نصيب الشخص الذي يذهب إلى بيته، وكانت النتيجة أن الحمار اتجه مباشرة إلى الطريق الذي يؤدي إلى بيت صاحبه، وانطلق حتى وصل إلى البيت وعندها حكم القاضي لصاحب الحمار وانتهت القصة بإدخال اللص إلى السجن، وتجدر الإشارة إلى أن الحزب الديمقراطي استخدم الحمار كشعار له.
تأسس الحزب الجمهوري عام 1854 بواسطة نشطاء يعارضون توسع العبودية وآزرهم في ذلك فئة التحديث والعصرنة وقد ارتقى إلى سدة الحكم والسلطة عندما انتخب ابراهام لنكولن رئيساً للدولة، وتتكون عناصر هذا الحزب من محافظين اجتماعيين وماليين بالإضافة إلى مؤيدين لمبادئ الحرية، مع الإشارة إلى صعود اليمين المتدين بين صفوفه ومن مبادئه سياسة عدم تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية إلا في حالة وجود خطر على أمن البلد، ولذلك نجده يعارض كل الدعوات التي تنادي إلى حماية البيئة حفاظاً على المصالح التي تخدم رجال الصناعة وهو يؤمن بالواقعية والواقعية الجديدة، ويجمع حوله الأغنياء في المجتمع الأمريكي والمتقدمين في العمر والكاثوليك واليهود والبروتستانت الجنوبيين مع الإشارة إلى أنه يرفض الزواج المثلي ويعارض الإجهاض، وإلى تفوق الحزب الديمقراطي عليه في عدد حملة الشهادات الجامعية وتفوق الجمهوري على الديمقراطي في عدد منسوبي القوات المسلحة الذين يشغلون مناصب قيادية عليا.
لقد استخدم الحزب الجمهوري اسماً مستعارً له في عام 1875وهو Grand Oid Party وفي نوفمبر عام 1874 ظهر رسم كاريكاتوري يصف شعار الحزب بأنه فيل يحطم مبادئ الحزب الديمقراطي وذلك في Harpers Weekly وأما الحزب الديمقراطي الذي تأسس عام 1799، على يد جيفرسون وجيمس مديسون ثم تشكل على يد اندرو جاكسون الذي ناصر مبادئ جيفرسون عند انقسام الحزب الجمهوري عام 1912، وتحول جذرياً تحت قيادة الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1932 فأصبح ممثلاً لقيادات النقابات الليبرالية ومناصراً للنقابات العمالية والتدخل الحكومي في الاقتصاد، ولا يزال الحزب مرتبطاً بما يسمى بالأفكار التقدمية اليوم وقد ناصر الأوضاع الليبرالية وهي تعني الليبرالية الاجتماعية وليست الليبرالية الكلاسيكية وكذلك آزر الفلاحين والعمال والاتحادات العمالية والأقليات الدينية والاثنية وسعى إلى تحقيق الخدمة الاجتماعية المنظمة ودافع عن الحرية الاجتماعية، ويعتقد أن على الدولة أن تحارب الفقر والظلم، واستناداً إلى هذه المفاهيم تجد أن معظم أعضائه هم الفئات المذكورة أعلاه والتي تمثل الطبقة الوسطى ويمكن الحكم بأن الاتحادات العمالية هي قلعة الحزب الحصينة التي يستند إليها في نشاطاته المختلفة بما في ذلك الانتخابات العامة، تلك الاتحادات التي تمثل ثلث القوى العاملة الأمريكية، ويجدر التنويه أن فئة السكان الأصليين تنضوي تحت لواء هذا الحزب، ومن سياساته أنه يعارض الحوافز التي تقدم لشركات النفط وهو من مناصري البيئة النظيفة.
وأما بالنسبة لشعاره (الحمار) فإن ما أفادته اللجنة الوطنية الديمقراطية فإن الحزب نفسه لم يستخدم الحمار شعاراً رسمياً له ولكن الحزب استفاد من ذلك الشعار في مناسباته العديدة، ويقول الحزب أن خصومه أطلقوا لقب (حمار) أي غبي أثناء التراشق الشديد بالتهم البذيئة المتبادلة بين الحزبين أثناء السباق للرئاسة عام 1828، وقد ظهر كاريكاتور سياسي يصف جاكسون وهو يركب حماراً ويوجهه (ممثل للحزب الديمقراطي) عام 1837 وقد أعيد نشر هذا الكاريكاتور عام 1870 بواسطة Harpers Weekly وهو يشير إلى الديمقراطيين وهكذا درج رسامو الكاريكاتور على الإشارة للحزب الجمهوري بالفيل والديمقراطي بالحمار.
وبهذه المناسبة تجدر الإشارة إلى أن الديمقراطيين قد اختاروا (الديك البالغ) كشعار لهم مقابل النسر الجمهوري وكان ذلك في أواسط القرن العشرين كما اختار الديمقراطيون اللون الأزرق شعاراً لهم عام 2000 وفي المقابل اختار الجمهوريون اللون الأحمر.
دعونا نرى الرموز التي اتخذها كل حزب لنفسه:
لقد ابتدأ الحزب الجمهوري باختيار الفيل ثم انتقلوا إلى اتخاذ النسر الذي يعرف بقوته وجماله وحدة بصره ورؤيته البعيدة، ومن ثم اختاروا اللون الأحمر، وأما الحزب الديمقراطي فقد كان نصيبه الحمار ومن ثم اختاروا الديك المعروف بطيرانه المستقيم وبأن صياحه يشير إلى الانتصار.
والآن لنتساءل هل يلتزم الحرب الجمهوري بمعاني الرموز التي اتخذها؟
الفيل يعرف أين يسير وسط الجبال ويرشد الإنسان إلى الأمكنة التي تصلح لأن تكون طرقاً مناسبة للسير عليها، وهو يعرف الشجر الذي يعالجه ويحل مشاكله، وقد اتخذ النسر شعاراً له، فهل هو جميل كالنسر ويتمتع برؤيا حادة عن بعد مثله؟ نترك ذلك للشعب الأمريكي فهو الذي يستطيع أن يقيمه ويحكم عليه.
والآن لنسأل الحزب الديمقراطي: هل يلبي التزامات شعاراته ويعرف كيف يصل بأمريكا إلى شاطئ السلام كما يفعل الحمار في وصوله إلى بيت صاحبه وإن كان لا يفعل ذلك فإن صياح الديك الذي يشير إلى الانتصار سيتبدل بصياح الديك عندما يهاجمه الثعلب أو ابن آوى وعندها لن يجد من يشفع له.
مضى علينا قرنان من الزمان ونحن نرى عربة القافلة الأمريكية تارة يجرها فيل وأخرى حمار ولا ندري أيهما ينتصر في سباق الانتخابات القادمة... هل يسبق الفيل الحمار أم أن الحمار سيسبق الفيل؟ علينا أن ننتظر قليلاً.. ثلاثة أشهر من الآن تقريباً وعندها تعلن النتيجة ويذاع اسم المنتصر.