Al Jazirah NewsPaper Wednesday  17/09/2008 G Issue 13138
الاربعاء 17 رمضان 1429   العدد  13138
أظلّكم الشهر وفيه ليلة خير من ألف شهر
صلاح بن سعيد الزهراني

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله الذي جمع قلوباً كانت شتى، وجمع شمل البلاد والعباد على كلمة حق سواء.

منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً من الزمان خرج من نبت هذه الجزيرة رجل يدعو إلى عبادة الواحد الأحد، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، يصل الرحم ويقري الضيف ويعين الكل ويمسح دمعة الثكلى ويربت على رأس اليتيم، إنه محمد صلى الله عليه وسلم، جاءهم بما يعلمون وبما لا يعلمون، جاءهم بصدق فهو الصادق الأمين ولم يكذبهم، وجاءهم بكتاب بلغتهم التي يملكون قيادها، وجاءهم بما لا يعلمون من علوم وحقائق غيبية لا يستطيعون أن يلمسوها أو إدراكها بحواسهم ولكن العقل الحر غير المكبل بالقيود يستطيع أن يدركها وأن يقيم البراهين على صدقها، فمنهم من صدّقه لصدق حجته وسابق عهده، ومنهم من أبى واستكبر، لا لشيء إلاّ حسداً من عند أنفسهم، والحسد يورث الغل ونبته العناد وثمرته الحسرة والندامة، والعناد يورث الكفر، والكفر هو إنكار الحق الظاهر المؤيد بالأدلة والبراهين، بعضهم حدثته نفسه كيف يكون لهذا اليتيم القيادة ونحن وجهاء القوم، ومن حسن حظ البعض أنّ الله أراد به خيراً فهداه إلى طريق الحق والصواب، ومن شؤم البعض أنه أسلم عنانه لنفسه الأمارة بالسوء فكان مطية لإبليس واستمر في غيه وإنكاره لنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم حتى فضحهم الخالق عز وجل في قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} ..(الزخرف 30 - 31)

وقد دعانا الله عز وجل إلى الفكر والتفكر دائماً، وقد ورد لفظ يتفكرون في القرآن الكريم في مواضع كثيرة بلغت عشر مرات في كلٍ من سورة الأعراف وسورة يونس وسورة الرعد وسورة النحل وسورة الروم وسورة الزمر وسورة الجاثية وسورة الحشر، وقد تكررت في سورة النحل ثلاث مرات.

والتفكر ضرب من الذِّكر فالمتفكر ملتزم بمنهج، والمسلم يثاب على ذلك لأنه ملتزم بمنهج وقد لبى نداء الرحمن، فإذا قرأنا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة .. نفهم وندرك أنّ الصيام قد فرض علينا، ولسنا أول أمة يفرض عليها الصوم، فكم من أمة قبلنا فرض عليها أن تصوم وإن اختلفت الطريقة، ولم يفرض الله الصيام على عباده بهدف حرمانهم بل لكسر جماح الشهوة في نفوسهم، الشهوة التي قد تكون بداية طريق المعصية، وقد أثبت العلم الحديث فوائد جمة للصيام يؤكدها المولى عز وجل في الآية (184) من سورة البقرة في قوله تعالى: {... ... وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.

وقد كان المسلم في صدر الإسلام مخيراً بين الصوم والفدية إلى أن جاءت الآية (185) من سورة البقرة فنسخت ذلك في قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ثم كرر عز وجل ذكر من يباح لهم الفطر برخصة في رمضان وهم المريض والمسافر وغير القادر على الصيام بشروط شرحتها السنّة المطهرة، ففي هذا الشهر الكريم تتنزل البركات والرحمات من السماء على العباد كما أنزل فيه القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وقد اختلف في تعيينها العلماء، فمنهم من يقول إنها في ليلة السابع والعشرين من الشهر ومنهم من يستند إلى ما تواتر من الأحاديث الداعية إلى تحريها في العشر الوتر الأواخر من الشهر، ولا تنسوا زكاة الفطر، أخرجوها في موعدها المناسب حتى ترفع أعمالكم إلى بارئكم فيتوب عليكم إنه هو التواب الرحيم.

ومن المعروف أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا أظلّه الشهر شمّر عن ساعد الجد هو وأهل بيته وكان أجود ما يكون في رمضان، فاستجيبوا لله إذا دعاكم وتشبثوا بسنّة نبيكم الكريم لعلكم ترحمون.

قال تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (185) سورة البقرة.

أسأل الله عز وجل أن يتم علينا وعليكم نعمته وفضله وأن يعيننا على الطاعات وأن يتقبّل منا ومنكم وأن يتم علينا وعليكم الشهر ويعيده على الجميع أعواماً عديدة وسنين مديدة وأن يمتعنا بالصحة والعافية في ديننا ودنيانا إنه نعم المجيب.

- الرياض


alkatbz@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد