Al Jazirah NewsPaper Sunday  14/09/2008 G Issue 13135
الأحد 14 رمضان 1429   العدد  13135
رحلة في صحراء الثويرات
أ. د. عبدالعزيز بن سعود الغزي

في يوم من الأيام اتصل بي الأستاذ خليف العيد من أهالي محافظة الزلفي وأحد المهتمين بالوقوف على شواهد كفاح الإنسان ليخبرني عن وقوفه على مجموعة آبار قديمة منقورة في بطن قاع من قيعان صحراء الثويرات، وأحالني إلى موقع له على الانترنت لأتمكن من مشاهدة صور تلك الآبار.

لقد دفعني موقع تلك الآبار بقلب صحراء موحشة ووعرة إلى جانب هيئة الآبار ذاتها إلى تحين الفرصة المناسبة للقيام بزيارتها، فجاءت الفرصة في يوم الأربعاء الموافق 26-8- 1429 هـ وكان يرافقني الدكتور عبد العزيز بن عبدالله بن لعبون، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، والأستاذ عبد الله بن صالح العمار، فقمنا ثلاثتنا عند الساعة الحادية عشرة من مساء يوم الأربعاء بالتوجه من الرياض إلى أم الجماجم التي وصلنا إليها الساعة الرابعة من صباح يوم الخميس الموافق 27-8- 1429هـ حيث حللنا على الأستاذ عبد الله بن ناصر آل حنايا الدوسري ضيوفاً في استراحته الصحراوية، وبقينا عنده حتى الساعة الرابعة عصراً، وعندها توجهنا إلى مدينة الزلفى إذ كنا على موعد مع الشيخ المحامي عبد العزيز بن محمد الغزي الذي أبدى استعداده لقيادتنا إلى موقع تلك الآبار، فتناولنا طعام عشائنا في ضيافته، وبتنا في قصر المبيت في الزلفي.

وفي صباح يوم الجمعة الموافق 28-8-1429هـ توجهنا عند الساعة العاشرة صباحاً إلى صحراء نفود الثويرات بحثاً عن موقع تلك الآبار، ذلك الموقع الذي لم يكن أي منا يعرفه إلا عن طريق التوقع. انطلقنا من مدينة الزلفي عبر نفود الثويرات مع الخط المسفلت مروراً بقرية المنسف، ثم قرية العقيلة، ثم قرية الثوير ثم عدد من القرى، ثم قرية البعيثة، ثم ينتهي الخط المسفلت، ونفرق قبل نهايته بأمل الاتجاه نحو قرية الحمودية عبر صحراء مخيفة في رمالها وخببها وأنقيتها المرتفعة وأسيافها المتموجة.

حقا لقد كانت مغامرة في وسط فصل الصيف؛ إذ بلغت درجة الحرارة ظهراً سبعاً وأربعين درجة مئوية، ولم يكن معنا إلا سيارة واحدة، ولكنه الأمل في الله الذي قوى عزائمنا وبقينا سائرين محاولين أن نصل إلى هدفنا وبعد مسيرة عشرة أكيال أو أكثر نجد راعياً من الرعاة، قد يكون هندياً أو سودانياً أو بنغالياً فنسأله عن موقع تلك الآبار، فيشير لنا بوصف لا نعرف منه إلا الاتجاه، ومع ذلك نسير معه حتى ينتهي بنا المطاف إلى راع آخر فيصف لنا، ونستمر في المسير إلى أن وصلنا إلى راعي أغنام سعودي الذي وصف لنا الطريق إلى المكان، وقال إنه يبعد عن مكان وجوده بخمسة عشر كيلاً فتوجهنا حسب فهمنا للوصف، ولكن سرنا أكثر من المسافة التي حدد فتخوفنا من الضياع، وإذ بنا نقف على راعي أغنام سوداني فوصف لنا المكان وهو ليس ببعيد عنا فتوجهنا إليه ولكننا أيضاً لم نصل إلى الهدف فعدنا إلى الراعي السوداني الذي لم نصل إليه إلا بعد شق الأنفس، فطلبنا منه إن يصحبنا إلى المكان ثم نعيده إلى مكانه ولكنه رفض متحججا بمحافظته على قطيع الأغنام الذي يقوم برعايته، فطلبنا منه أن يعيد وصف المكان لنا فأعاد الوصف، وذكر في هذه المرة أنه لا يبعد عنه أكثر من كيلين إلى ثلاثة أكيال، وطلب منا إن نتتبع درب ناقلات المياه فالتزمنا بالسير بمحاذاة طريق الناقلات، فقادنا إلى مكان الآبار.

وبعد معاينتها وتصويرها توجهنا إلى بلدة جراب مروراً بعدد من الرعاة، كما توقفنا عند بئر أم جرف، وبعد مسافة ليست قليلة انقطعت الرمال وظهر الصلب الذي لا يقل خطورة عن الرمال بأحجاره الشبيهة بالسكاكين، وعبر خط مطروق لكنه وعر وصلنا إلى بلدة جراب، ثم تجاوزناها إلى واد كثيف الأشجار يقع إلى الجنوب منها، وكانت الساعة الخامسة عصراً وتحت أشجاره الكثيفة وضعنا فرشنا وبدأنا بإعداد طعام عشائنا. وبعد أن فرغنا من تناول عشائنا عند الساعة السادسة مساءً انطلقنا عبر الخط المسفلت إلى مدينة الزلفى لإيصال دليلنا إلى منزله، وبعد تناول القهوة توجهنا إلى الرياض التي وصلنا إليها الساعة الواحدة من صباح يوم السبت الموافق 29- 8-1429هـ.

إن الوقوف على مثل تلك الشواهد الحضارية يشرح الاختلاف بين الماضي والحاضر، وكيف استطاع إنسان الماضي أن يجتاز الصحاري والجبال التي اجتازها إنسان اليوم من خلال استثمار الآلات الحديثة والتقنية المتطورة ووسائل النقل الجبارة، فذات الصحاري التي يجتازها في الوقت الحاضر بالسيارة والطائرة اجتازها إنسان الأمس البعيد سيراً على الأقدام مستعيناً بالإبل والحيوانات الأخرى لنقل مائه وأمتعته، وفي بعض الأحيان يسير الإنسان على الأقدام ليريح الدواب نظراً لوعورة الأرض. وتتحدث كتب التاريخ عن كوارث أدت إلى هلاك من يعبرون تلك الطرق؛ إما لعدم الاهتداء إلى أماكن الآبار أو عن طريق التعرض لغارات تشتتهم في الصحاري فيهلكون عطشاً وجوعاً.

إننا حقاً بحاجة لاستكشاف مصادر المياه القديمة، وبخاصة تلك التي لها أهمية اقتصادية وحضارية كتلك المجموعات التي تقع على طرق التجارة وطرق الحج الرئيسة، مثل طريق الحاج اليمني وطريق الحج الكوفي وطريق الحج البصري وطريق الحج المصري وطريق الحج الشامي. وبالنسبة لوسط المملكة العربية السعودية فيوجد عدد كبير من تجمعات الآبار التي يتراوح عدد التجمع الواحد منها من بئرين إلى أكثر من مئة بئر، كما هو الحال في الدجاني بالقرب من بلدة القاعية، والحنبلي في نواحي أم الجماجم، والبعيثات في نفود الثويرات.

وفي النهاية.. أقترح على هيئة المساحة الجيولوجية أن تتبنى مشروعاً بالاشتراك مع الآثاريين لاستكشاف الآبار القديمة ودراستها ووضع خرائط لتوزيعها المكاني على غرار مشروعها في دراسة الدحول، ومشروعها في دراسة الكهوف، ومشروعها في رحلة الربع الخالي.

جامعة الملك سعود - كلية السياحة والآثار - قسم الآثار



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد