تدعي الديمقراطيات الغربية، على وجه الخصوص، بفصل الدين عن الدولة في جميع القضايا، ولكن إليس كوز، في مقالته المنشورة في النيوز ويك بتاريخ 23 أغسطس، يقول: (لم نقبل بشكل كامل فكرة أن جميع الأديان .
يجب أن يكون لها فرصا متساوية نحو البيت الأبيض).
ولقد تكشفت الأمور بهذا الشأن في الحملة الانتخابية التي تعيشها الولايات المتحدة حاليا، وتحديدا بعد خوض باراك أوباما الانتخابات في الحزب الديمقراطي.
يذكر الكاتب أنه مابين مارس ويوليو أصدر مركز بيو للأبحاث ما يفيد أن نسبة من يعتقد أن أوباما مسلما ارتفعت من 10 إلى 12 في المائة.
ويشك هذا البعض من الأمريكيين بأنه بداخل ذلكم المرشح قلب ينبض بالإسلام. ويذكر كاتب المقالة المشار إليها حتى لو كان الأمر كذلك، أي لو كان أوباما مسلما، ماذا يضيره في ذلك، في بلد يفصل بشكل رسمي بين الدين والدولة؟ وفي حملة الانتخابات نفسها كانت هنالك علامة استفهام حول المرشح الجمهوري رامني، لكونه من الكنيسة المورمنية، وهنالك استطلاعات تشير إلى أن ثلث الناخبين لا يؤيدون مرشحا من المورمن و45 في المائة منزعجين من أي مرشح مسلم. ولقد اتهم أوباما معارضيه بالتأجيج حول هذه القضية.
وهذا المرشح يخوض معركة انتخابية غير مسبوقة: تتسم بحملة من معارضيه، لا تلعب بورقة عنصرية فقط، بل بورقة أكثر خطورة، (دينية)، في خضم حملة انتخابية من حزب معارض ترمي أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأعظم ظلالها عليها.
أوباما ذو خلفية إسلامية، حيث أن أباه كان مسلما في فترة من حياته، وليس هذا هو موضوع النقاش، ولكن ما ظهر خلال هذا الحملة الانتخابية، بحق المرشح المذكور وغيره، يؤكد على وجود تناقض في الفكر السياسي الغربي المعاصر. فإذا كانت الديمقراطية الأمريكية استطاعت أن تتجاوز الحساسية العرقية، ممثلة في انتخابات 2008، فما بالها لا تزال لديها المسحة العنصرية الدينية؟ ومعلوم أن الإعلام لعب دوره، سيما الصهيوني منه، إذ روج لادعاء مفاده أن المسلمين ينظرون للأمريكان على أنهم شياطين، أضف إلى أحداث سبتمبر، فزاد مثل هذا الترويج الطين بله.
ولطالما حاولت منظمات إسلامية في أمريكا أن يسمع صوتها، منها مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، والذي يذكر مدير العلاقات الوطنية فيه: (أنه من المستغرب ومن المستهجن أن اعتبار شخص مسلما من باب تشويه للسمعة).
والناخبون الأمريكيون على استعداد للتغاضي عن عرق المرشح ولكنهم غير قابلين بانتمائه لدين معين، وفي الحالة هذه المقصود دين الإسلام.
وهنا يكمن التناقض، بل والتعارض، حتى مع دستورهم الذي ينص على عدم جواز التفريق بين الناس على أساس ديني أو عرقي أو نوعي أو طائفي. ولطالما أيضا طالبت منظمات أخرى أوباما بأن يتكلم بقوة ضد الحملات المعادية للإسلام ضمن حملات التشويه المشار إليها. وبدلا من ذلك فلقد استمر المنظمون لحملته الانتخابية التأكيد على نصرانيته كإجراء مضاد للإشاعات سواء لكونه مسلما أو ذي خلفية إسلامية. والمشكلة في هذا الأسلوب أو المنحى، أي إتباع إستراتيجية إبعاد أوباما عن الإسلام بدلا من استخدام المجادلة المتفق عليها من قبل الأمريكيين التي تقول إن مسألة الدين تعتبر مسألة شخصية، وبالتالي فمن غير الضروري لأن يتقصى انتماءه الديني طالما يعتقد بفصل الدين عن الدولة.
وثمة أمر آخر، علي أن أستدركه وهو أن أي مرشح لا بد له من اتصال وطيد بكنيسته التي ينتمي إليها، إذ عن طريقها يستمد المساعدة والمساندة للوصول لأهدافه بل وتنفيذ خططه وتحقيق طموحاته السياسية.
وهنا نقول: أن الإدعاء بفصل الدين عن المسرح السياسي ليس مطلقا. فلاحظ معي أيها القارئ الكريم التناقض أو الفجوة الموجودة بين النظرية والتطبيق فيما يخص العلاقة بين الدين والسياسة، والتي يؤكد الغرب على الفصل بينهما.
ويمكن أن ينظر إلى الأمر من زاوية أخرى تتمثل في كون البلد الكبير، الذي تجرى فيه الانتخابات في الوقت الحاضر، بلد المهاجرين القادمين له من أصقاع الأرض، ضمن خليط من البشر، من أعراق وأديان وأجناس ولغات متعددة، بلد يطلق عليه بوتقة الانصهار، يدعي قادته، على مختلف مستوياتهم من مشرعين وإداريين ومفكرين، بأنه من البلدان المتصدرة للحرية والثقافة المادية.
فكيف به والأمر كذلك، أو كما يزعمون، أن يمارس سياسة ضد المبادئ التي يدعو إليها، ويحث على تصديرها خارج حدوده، وفي مقدمتها الديمقراطية نفسها، فهذا كمن يحاول الغزل ثم سرعان ما ينكثه.