الحب لفظة حلوة تستمال بها القلوب المتنافرة، وتصفو بها الحياة النكدة، وتطرب لها الأحاسيس المرهفة، الحب شعور روحاني ماتع تكبل به القلوب وتسعد به الأنفس، وتعجز الكلمات الفائقات عن وصفه، وتهيم الأحرف النيرات إن رامت الإحاطة به، فلا أدل عليه ولا أبلغ في التعبير عنه من كلمة (حب)، وإذا ما تأملت ذنيك الحرفين تجد أن العرب قد وفقوا في إيقاع هذه اللفظة على الشعور الذي يخالج أرواحهم ف(الحاء) تأتي من الأعماق وتنتهي الباء بتطابق الشفتين، فكانت هذه اللفظة ذات دلالة لفظية ومعنوية وهذا واضح لمن تأمله، لذا رعى الإسلام هذا المعنى حق الرعاية فجعل الحب أصلاً من أصول الديانة، يبدأ بحب الله فحب النبي صلى الله عليه وسلم ويمتد هذا الحب للمؤمنين، بل جعله من الركائز التي بها قيام العبادات، وهل حياة الإنسان من ولادته إلى مماته إلا عبادة.
في هذا الزمن الأسيف الذي تبدلت فيه كثير من الفطر وانحرفت فيه كثير من المعالم الإنسانية كان للحب القدح المعلى والحظ الأوفر من التغير والتبديل، فحاول كثير من محارب الفطرة صرف هذا المعنى النبيل إلى صور شهوانية فحسب وذلك عن طريق الأفلام السينمائية والقصص الغرامية التي جُلب لتجسيد أحداثها الساقطون في الحياة الذين نبذتهم أسرهم ومجتمعاتهم، لتتلقفهم هذه القنوات وترسم لهم طريق الهاوية، وأظُهروا للعالم بألقاب الفلاح والسمو وعلقت على صدورهم شارات المجد ونعتوا بالأبطال واعتلوا منابر النفوذ، لتطالعهم الأعين بلهفة وترقبهم الأنفس بشوق ودهشة، فترى التزاحم المقيت من الشباب والشابات على دور السينما ومعارض الأشرطة لشراء الجديد لذاك الدعي أو تلك الدعية، فقصرت معاني الحب النبيلة على ضمة فتاة وقبلة فاتنة ومعانقة غانية، وأصبح الزنا على أعين الملا بمسمى الحب، حتى إذا ما تلفظت بهذه اللفظة انصرف المعنى لهذه الصور الفاضحة التي رسمها لنا سقطة البشر وسفهاؤهم. الحب هو تعانق الأرواح، وتناغم الأنفس، الحب باختصار أن تكون مستعداً للتضحية بنفسك في سبيل نجاة محبوبك لا لأنه جميل فحسب ولكن لأنك تحبه - الجمال وإن كان من الدواعي التي تدعوك لحب من اكتسى به إلا أنه لا يعني كل شيء في عالم الحب - فأمك تحبها لا لأنها أجمل امرأة في العالم ولكن لأنها أمك، أريت أن الحب معنىً كبير...
الحب - سيداتي وسادتي-: بحر كبير جداً يقف العالم أجمعه على شاطئه ليتغنوا بجماله ويرقصوا على رماله البيضاء ويحسب أكثرهم أنه بهذه الوقفة أدرك جمال البحر وسر ساحريته وما هو في الواقع إلا واهم غاية الوهم.. فإذا أردت أن تدرك جمال البحر فأشرع سفينتك وأبحر في أرجائه وغص في أعماقه لتدرك كنه وسر جماله وكم هو كبير جداً ليسع كل شيء.. فالصورة الأولى هي التي تبثها لنا الكثير من الأفلام والقصص التي نعتت ظلماً بحكايات الحب!!..
فتراهم إذا ما أرادوا أن يحدثوا الناس عن الحب أتو بفتاة غائرة الحسن والدلال وفتى يغار القمر لرؤيته ثم تبدأ أحداث الحكاية من مرقص صاخب أو ملهى ليلي فيرى الفتى محاسن الفتاة ومحل الإثارة الجنسية فيها وهي تتغنج بصوتها متمايلة كأنها بين يدي زوجها فلا يزال الفتى بها حتى يرشف من ريقها!! ثم تنتهي الحكاية!!..
هل تذكر يا سيدي أنك رأيت أو قرأت قصة حب بطلاها شيخ كبير وعجوزه يتبادلان القبل على مشارف الموت!! أم هل حدثت عن شاب دميم الوجه حسن الخلق والسجايا أحب فتاة فاتنة وأحبته أو العكس!! - لا لا هذه الصور ما تأكل عيش - الحب ليس بالضرورة أن يكون مقصوراً في أحضان امرأة فقط!! كما تصوره لنا هذه الأفلام بنسختيها العربية والغربية في أكثرها فتجدها تحدثنا عن شاب عاشق أهمل والديه وهجر بلده وذويه وأغار على دينه ومبادئه لأن المتيم أسقط في حب فاتنة!!..
لا، الحب كما قررت أكبر من ذلك بكثير فهو حب موزون بقيم الدين والعقل ورهافة الحس فتجده ينتشر ليمر بالناس جميعاً فتحبهم لإنسانيتهم ثم يتأصل في المؤمنين ديانة ثم وثم حتى يقف على أعتاب ملاكك وشريكة حياتك.. وما عداه فهو حب شيطاني أجوف.. وفي أكثره حب يخبو بتلاقي الأجساد!!..