ثمة تباين واختلاف كبير بين علماء الاجتماع والنفس وثقافة المجتمع الفرعية والسلوكية في عوامل الانحراف (مسببة - مهيأة) وينضم إليهم علماء التربية حيث يرون أن التعليم تجربة سلوك ترتبط بالوعي واتصال بين فعل وفاعل، فالتعليم طريق للحياة وتفعيل القيم الأخلاقية التي تنعكس على العلاقات الإنسانية البينية.
ويجدر بنا القول بأنه ما من مجتمع مبرأ من انحراف فئة (كبيرة أو صغيرة) من الأحداث، ويقاس الانحراف في أي مجتمع من المجتمعات بمدى التاركين لدائرة السوء المعايري دخولاً في دائرة اللاسواء بما تكتظ به من مشكلات وفعل الانحرافات.
أما في مجتمعنا (المملكة العربية السعودية) فنرى أن الانحراف خبرة سلوكية وأن ثمة علاقة بين الخبرة - والتعليم - والتطبيق - الممارسة - ولذا فإنها ليست حالة عادية تتكون من نظرية عامة - من نظريات علم اجتماع الجريمة - ويمكن تطبيق هذه النظرية في موقف - حالة - معين، بل إن النظرية في بالنا تتجسد مبادئها من خلال ما تعكسه الخبرة في موقف بذاته فإن عززت تم التأكيد عليها وإن أطفأت فلا مجال للتثبت أو العودة إليها.
إذن انحراف الأحداث من واقع الخبرة العملية التي امتدت لحوالي عشرين سنة - ومن خلال قياسات مناسبة في تحليل الخبرة يمكن استخدامها في تحليل العوامل المسببة لانحراف الأحداث باعتبار أن هذه القياسات عملية وفعالة.. لأنها تبنى على نتائج العلوم والدراسات الاجتماعية لا سيما علم الاجتماع التطبيقي والخدمة الاجتماعية، وذلك لتحليل الفئات الاجتماعية والعلوم السلوكية لتحليل دائرتي المرغوب واللا مرغوب فيه من السلوك.
ومن المعلوم أن هذه العلوم الإنسانية تعمل على تحسين حال المجتمع وفئاته مما يؤكد على عدم وجود أية خلافات بين الدين والعلم في معناه الواسع: فمنها تغيرت الطرق العلمية المتوافقة - مع محور العقيدة - فهي لا تخرج عن البنية الكلية للدين.
في ضوء هذه الرؤية الدينية - العلمية يتم وضع خطوات التعامل مع فئة الأحداث المنحرفين الذين حادوا عن جادة الصواب ودخلوا في دائرة اللاسواء من السلوك خلال الفترة السنية من سن التمييز والسن التي حددها القانون لبلوغ الرشد حيث ان ما دون التمييز هي مرحلة انعدام الإدراك ويترتب على هذا الجناح ارتكاب فعل محظور شرعاً وهو أقدم عليه البالغ اتسم بكونه جريمة يعاقب عليه حيث الشريعة الإسلامية - النظام المتبع لدينا في مجتمعنا (المملكة العربية السعودية) والعقاب الواقع من قبل البالغ في حالة ثبوت الجريمة ونوعيتها بما توجب الحد أو القصاص أو التعذير.
أما خطوات التعامل - ليست غايات في ذاتها - لكنها منطلقات للتعامل وتهتدي بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والنتائج العلمية ومعطيات العلوم الحديثة وتشمل هذه الخطوات:
أولاً: عملية القبض عليهم، وتوقيفهم، والتحقيق المبدئي معهم (الشرطة) دخل دور الملاحظة الاجتماعية المنتشرة في أغلب مدن المملكة.
ثانياً: إعادة التحقيق أو استكماله إذا لزم الأمر، ثم محاكمته وإصدار الحكم، وبقاء الحدث في المؤسسة لتنفيذ الحكم، ثم الإشراف على تنفيذ الحكم وبرامج التأهيل والإصلاح.
ثالثاً: الرعاية الاجتماعية التربوية لإعادة التنشئة وتعديل السلوك واكتساب الاتجاهات الإسلامية القويمة واستدماج الهوية الثقافية وإحداث التوافق الاجتماعي والنفسي ومعرفة منهجية التعلم والتعلم الذاتي والدخول في برامج الإصلاح (دور الملاحظة الاجتماعية).
ومن المهم أن تؤكد بأن العلاقة بين الخبرة ومردودها ليست هي العلاقة التقليدية بين النظرية والتطبيق وإنما هي علاقة فعل برد الفعل العلمي والفعال ويظهر هذا من المسيرة التاريخية لدور التوجيه الاجتماعي فبدايتها الأولى كانت تتمثل في إنشاء مؤسسة إصلاح الأحداث عام 1374هـ وتمثلت أهدافها في رعاية الأحداث المعرضين للانحراف ما لم يمارسوا الانحراف لأسباب تتعلق بالبيئة الاجتماعية (الأسرة) أو البيئة الطبيعية، الحي - الجيرة والمدرسة - وما في مستواها - والعلاقة بين فروق الحدث والبيئة المحيطة.. وما بين حاجات الحدث الأساسية والاشباعات في البيئة.
وانتقلت تبعية هذه المؤسسة الإصلاحية إلى الرئاسة العامة لدور الأيتام في حوزة الرئاسة الخاصة الملكية وذلك في عام 1378هـ.
وبعد ذلك بعامين أنشئت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وتبعت لها هذه المؤسسة ودخلت في اختصاصات قسم الشؤون الاجتماعية بالوزارة اعتباراً من عام 1380هـ.
وحينئذ ظهرت أيديولوجيات عدة في مجال رعاية الأحداث وظهرت انتقادات نظرية لصالح نظرية أخرى وبدت عدة تساؤلات حول خصائص الحدث والإمكانات والتوقعات والمهام والكادر.. وغير ذلك من تساؤلات قادت المسؤولين إلى وضع لائحة دور الملاحظة عام 1395هـ بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 611 بتاريخ 13-5-1395هـ وفتحت أول دار للملاحظة في مدينة الرياض عام 1392هـ وكنت أول أخصائي اجتماعي أعمل في هذه الدار مع زملاء آخرين حددت هذه اللائحة أهداف دار الملاحظة وهي رعاية تلك الفئات من الأحداث التي ذكرناها آنفاً وبعد ذلك توالى إنشاء دور الملاحظة في أنحاء المملكة التي بلغ عددها الآن (14) داراً ويناظر هذا دور للتوجيه الاجتماعي التي ترعى الأحداث المعرضين للانحراف سنفرد لها مقالاً آخر فيما بعد.
المهم أن لائحة دور الملاحظة قد تضمنت: الأهداف، والجهاز الوظيفي وما يتعلق به من مهام أو مسؤوليات، وموجبات الضبط القضائي بدءاً من القبض على الحدث ثم تسليمه لأقرب دار ملاحظة ثم اتخاذ الإجراءات الاجتماعية بموجب ما جاء بتعميم وزارة الداخلية رقم 66 س 4382 في 8-11-1400هـ ويتم التوقيف حسب العمر الزمني للحدث من سن 12 - 18 سنة ولا يتم توقيف الحدث إلا بناء على أمر من القاضي محدداً في ذلك مدة التوقيف ومبرراته ولا يتم توقيف الحدث إلا بناء على أمر من القاضي محدداً في ذلك مدة التوقيف ومبرراته ومكان إيداع الحدث، ومكان التحقيق مع الحدث هو دور الملاحظة كما تنفذ فيها الأحكام بمعرفتها مع ملاحظة أن محاكمة الأحداث وتوقيع العقوبات تتم داخل دور الملاحظة وكذلك تنفيذ الخطط العلاجية بمراحلها المختلفة ومناشطها المتعددة.وهذه هي الخطوط الأساسية في مجال معاملة الأحداث المنحرفين بالمملكة العربية السعودية والذين كانوا قبل عام 1292هـ يودعون في السجون في قسم خاص لهم فهذه هي التوجهات الإنسانية طبقاً لما رسمته شريعتنا الغراء في التفرد في معاملة الجانحين من الأحداث خلافاً لما يطبق بحق المنحرفين الكبار.