Al Jazirah NewsPaper Saturday  13/09/2008 G Issue 13134
السبت 13 رمضان 1429   العدد  13134
مجداف
أيتام في مهب الريح
فضل بن سعد البوعينين

نخرج من الأزمات ونلج نفق الفضائح.. ثمانون يتيماً تتعامل معهم إدارة الشؤون الاجتماعية بالمنطقة الشرقية بكثير من القسوة والإهمال. يُنقلون من مركزهم المتهالك فَيُحشَرون في عمارة سكنية غير مجهزة، تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الضرورية، ووسائل الراحة.

الزميل (عوضه الزهراني) في جريدة اليوم كشف عن فضيحة مركز الأيتام بالدمام في ثاني أيام رمضان المبارك موثقة بالصور المؤلمة والمخجلة لكل من له علاقة بذلك المركز من أطفال ومراهقين ينامون على الأرض، ويجلسون على قطعة سجاد تبرع بها أحد المحسنين، ويستخدمون دورات مياه لا اقفال لها؛ بعضها بلا أبواب. ذكرت جريدة (اليوم) أنها (شاهدت حماماً حَوَّلَهُ أحد الأيتام إلى غرفة نوم، وآخر نائم تحت الدرج). المبنى يعج بالفوضى، ويفتقد وسائل السلامة، والإشراف الإداري، ويتعرض فيه الأيتام إلى اعتداءات بالضرب المبرح.

هؤلاء الأيتام في ذمة وزارة الشؤون الاجتماعية التي استأمنها ولي الأمر على رعايتهم وإدارة مصالحهم. لا يمكن القبول بعذر صيانة المبنى الرئيس والاضطرار إلى استئجار مبنى غير مجهز على وجه السرعة، فنحن في دولة رخاء لا ينقصها المال، والشفقة والرحمة على اليتامى والفقراء والمساكين، وقبل أيام قليلة أنفق خادم الحرمين الشريفين ملياراً ومائة وخمسين مليون ريال لمستحقي الضمان الاجتماعي، وغيرها مليارات تنفقها الدولة في أوجه الخير. بضع ملايين كانت كافية لإسكان هؤلاء في فندق ولمدة عام، أو ربما شراء عمارة سكنية مفروشة. المشكلة لا تكمن في المخصصات المالية بل في الإدارة والمتابعة ولا شيء غير ذلك. هناك تقصير واضح في أداء بعض المسؤولين، وتقاعس في أداء المشرفين والموظفين أعمالهم وكأنهم متطوعون لا مُستأجرون ومؤتمنون؛ وتهاون كبير في محاسبة المقصرين، وتقتير في الإنفاق وكأنما ينفق أحدهم على الأيتام من حر ماله.

فضيحة مركز أيتام الشرقية يجب ألا تمر مرور الكرام، فالحساب الشامل لكل مقصر ومتسبب في معاناتهم مطلب ملح. أعان الله معالي الدكتور يوسف العثيمين، فملفات الوزارة الملتهبة كانت أول المرحبين بقدومه، يبدو أنها كانت تبحث عمّن ينتشلها من أدراج المهملين!!. يخيل لي أن بعض المسؤولين في وزارة الشؤون استعجلوا كشف التقصير قبل أن يكشفه الوزير عليهم!. أيتام المنطقة الشرقية في حاجة إلى مأوى عاجل مجهز يحفظ لهم آدميتهم، وإنسانيتهم، ويكفل الرعاية وتقديم خدمات تتناسب مع المليارات التي تدفعها الدولة للشؤون الاجتماعية. الأيتام في مناطق المملكة ينتظرون منّا الكثير، وبدلا من الحديث عن إعادة تأهيل مركز الأيتام ينبغي لنا التفكير في إنشاء قرى نموذجية متكاملة للأيتام في مناطق المملكة، قرى مشابهة لمشروع الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام في منطقة الرياض (إنسان). مشروع قرى الأيتام النموذجية، مكتملة الخدمات، هو المشروع الإنساني الذي سيبقى أجره إلى يوم الدين، وهو المشروع الذي أدعو الله أن يتبناه ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، ويخصص له ميزانيات خاصة مستقلة عن ميزانية الشؤون الاجتماعية، فتتحول الأمنية الإنسانية إلى واقع جميل يُرضي الله سبحانه وتعالى، ويسعد اليتامى الذين قال الله فيهم (فأما اليتيم فلا تقهر)، ويفرح قلوب محبي الخير ويفتح لهم أبواب المساهمة في كفالة الأيتام وتهيئة الحياة الكريمة لهم.

روي عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قوله: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وقال بإصبعيه السبابة والوسطى).

جمعية (إنسان)

هل يمكن القول بتفوق العمل الخيري التطوعي على نظيره الرسمي؟ عند مقارنة أحوال أيتام المنطقة الشرقية الثمانين الذين تشرف عليهم وزارة الشؤون الاجتماعية، بأحوال إخوانهم ممن تشرف عليهم جمعية (إنسان) يمكن أن نقول ذلك دون تحفظ. جمعية إنسان تقدم الرعاية الكاملة لـ26700 يتيم ويتيمة، صرفت عليهم أكثر من 100 مليون ريال العام الماضي، ونجحت في تبني مشروع قرية الأيتام النموذجية، وبناء وقف استثماري بمبلغ 52 مليون ريال يعود ريعه للأيتام، واستطاعت في ساعة واحدة، الأسبوع الماضي، جمع أكثر من 30 مليون ريال لدعم مشروعات الجمعية. فهنيئا لأيتام منطقة الرياض الرعاية الأبوية الحانية من الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض رئيس إدارة جمعية إنسان، وهنيئا للوطن نجاح العمل الخيري التطوعي من خلال المؤسسات المختلفة التي فاق أداء بعضها أداء إدارات الشؤون الاجتماعية في مناطق المملكة.

مليارات الجمعيات الخيرية

أشار مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة إلى أن إيرادات 474 جمعية ومؤسسة خيرية في حدود مليارين وثلاثمائة مليون ريال. مبلغ بهذا الحجم يفترض أن يحل الكثير من مشاكل الفقراء والمحتاجين في المملكة إذا ما أحسن استغلاله وتوجيهه التوجيه الأمثل. أيتام المنطقة الشرقية يفترض أن تكون لهم حصة من ملياري الجمعيات الخيرية، ما يجعلهم في غنى عن تبرع المحسنين لهم بقطعة سجاد يتزاحمون للجلوس عليها!!

الراحمون يرحمهم الرحمن

شهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران. رحمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تجلت في هذا الشهر الفضيل عند دخوله مكة فاتحا؛ فقد انتزع من القائد العظيم سعد بن عبادة الراية بسبب قوله (اليوم يوم الملحمة). وصَحح الرسول، صلى الله عليه وسلم، العبارة بقوله: (اليوم يوم المرحمة... اليوم يُعزّ الله قريشاً)؛ وقريش هم الذين ناصبوه العداء، وتآمروا على قتله، وأخرجوه من مكة، وقاتلوه وقتلوا بعض أحبابه وصحابته رضوان الله عليهم، فلما دان له أمرهم عفا عنهم بقوله: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). رحمة الله واسعة، وقلوب المؤمنين الصادقين تملأها الرحمة والإخلاص. ما أحوجنا إلى عفو الكريم المنان ومغفرته، وما أحوجنا إلى أن نقدم ما يشفع لنا في آخرتنا ويكون سببا لرضا الله عنا ومغفرته ورحمته والعتق من نيرانه؟. قال تعالى: {لَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244



f.albuainain@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد