Al Jazirah NewsPaper Saturday  13/09/2008 G Issue 13134
السبت 13 رمضان 1429   العدد  13134
الكوميديا الساخرة في رمضان
د. فوزية البكر

هل نقول لهم (ذبحتونا) ؟!

هناك مشكلة ما في رؤية المؤسسات الوطنية عامة وخصوصاً لنا كمجتمع، فالعديد من هذه المؤسسات تعاملنا كصغار وتلاحقنا مثل القاصرين بقوانينها المضحكة سواء في بيوتنا أو مؤسساتنا أو شوارعنا.. في حين تعمد مؤسسات أخرى ذات علاقة بالشأن العام إلى التأكيد على أننا مجتمع لم ينضج بعد بشكل يؤهله لأية ممارسة ديمقراطية..

وكأن الحمل لم يكن كافياً علينا حتى تأتي مؤسسات فنية يفترض أنها تُساهم في تهذيب الذوق الفني العام لتنظر لنا كمخلوقات بشرية مصنفة بمستوى ذكاء وإدراك أقل من باقي البشر الذين يملؤون المعمورة ولا نملك ذائقة فنية قادرة على التمييز فيقذفون في وجوهنا بعد صلاة كل مغرب بهذا الغثاء الذي يسمونه مجازاً (إضحاكاً)؟؟!!

ومن يلومهم على ذلك.. فالفن والثقافة الفنية ومفاهيم الترفيه كلها كائنات غريبة أقرت كل شعوب الأرض عبر تاريخها أساليب التعامل معها وجعلتها جزءاً من مناخ وواقع ثقافي ممارس في المدارس والمتاحف والمسارح والندوات والمعارض الثقافية والفنية في حين يبقى الفن ها هنا كائناً وحشياً مطارداً لا علاقة له بنا، غير أننا ويا (للدهشة) قد غرقنا كما غرق العالم كله في ثورة التكنولوجيا والاتصالات التي مكنتنا رغم سيل الموانع من التواصل مع كل أشكال الفن والثقافة سواء عبر الوسائل المرئية من تلفزيون أو إنترنت والذي مكننا من حضور ما نشاء من عروض فنية وفكاهية ومعارض ونحن جلوس في مقاعدنا في الرياض أو أننا نقتنصه من باب السفر لبلاد الله الواسعة التي فتحت عيوننا المغمضة على عالم من الدهشة والجمال كان محجوباً بفعل آليات التحريم المريعة التي كانت قادرة في يوم ما حتى على اصطياد الكلمة وهي التي عملت ومنذ ظهورنا على تقليص علاقتنا بالرسم والموسيقى والفن والإضحكاك والترفيه في حين تخبطنا هذه المظاهر في عفوية شديدة أينما اتجهنا عبر أرضه الواسعة فتجد من حيث لا تتوقع الفن أو الموسيقى أو الشعر وهي تتسلل إليك مرغمة إياك على التوقف والتأمل ثم تعلم التذوق فشخبطات الشعراء وجنونهم منثور حتى في محطات القطارات الأرضية وما تحت الأرضية وينتشر الفنانون المتجولون بآلاتهم وفرقهم سواء في تلك المحطات أو الأسواق أو الحدائق العامة لتقديم فنونهم الجماعية أو الفردية ولا تكاد تدخل مكتبة عامة أو معهداً أو جامعة إلا وتستوقفك المعارض الجانبية التي يتم استغلال كل ركن في المكان سواء كان بهواً أو ممراً أو مقهى لتقديم فن ما أو رسم أو نحت.

ما الذي حدث لهؤلاء (الفكاهيين) حتى ينسوا حقائق بسيطة كهذه فيظنون أننا لا نستحق احتراماً أكثر حين نخصص وقتاً لمشاهدتهم أولاً من باب التشجيع للسعودي ثم الخليجي ثم العربي.. وثانياً بفعل التعود خلال مواسم رمضانية سابقة.. وهي فعلاً كانت وسيلة رائعة لتجميع الأسرة السعودية التي يصعب في العادة جمع أطرافها للاتفاق على مشاهدة جماعية.

السؤال: ما هذا الذي نراه كل يوم من ضعف الحبكة الأدائية والسيناريو والحوار والتمثيل والإخراج وكيف واتت فريق العمل الجرأة على عقد اتفاقيات أتوقع أنها بالملايين مع بعض المؤسسات التلفزيونية لتقديم أعمال يفترض (نظرياً) أنها مكلفة لكن الضعف الشديد في كل عناصر العمل المقدمة يشي بأن الطواقم العاملة التي تحتاجها الأعمال الفنية في العادة حتى تقف على قدميها ليست موجودة في قاموس هؤلاء (المضحكين)!! فهم في الغالب أصحاب الفكرة وهم أحياناً السيناريست وكاتبو الحوار والقفشات التي تبدو شخصية ومرتبكة ومتناثرة وغير مرتبطة بالموضوع هذا إذا كان هناك موضوع معروض أصلاً!!

العمل الفني أو الدرامي (وأنا هنا أتحدث كمشاهدة وليس كمتخصصة) هو بناء متكامل.. هو ليس مجرد قصة بسيطة منزوعة من سياقاتها التاريخية والاجتماعية والثقافية لعرض حالات متفردة لديها مشاكل مؤقتة بل جزء من منظومة شاملة تضم التاريخ الاجتماعي والسياسي والاجتماعي وتضم كافة البشر المحيطين بالشخصيات التي تؤدي الأدوار والعمل الفني يعمل في تناغم لعرض خلفيات وتعقيدات الظروف التي تصنع الممثلين لعرض صورة متكاملة وتحقيق بناء فني به من التعقيد ما يستحق أن نطلق عليه عملاً فنياً فماذا نُسمي ما يعرض على شاشاتنا لهذا الرمضان؟

التمثيل ليس فقط شخصيتين تصرخان وتمعنان في تعفيط أجسادهما وتمشيان بطريقة مضحكة لفتح الباب أو للتسطح فوق مرتبة.. إنه بناء متكامل يضم كل الأبعاد المحيطة بالحدث المعروض الذي يؤطر الوعي به كاتب المسلسل وكافة الطاقم المتخصص (وليس الأقارب أو الأصدقاء أو الهواة) الذين يتم تقليل الكلفة من خلال تعاونهم أو لمجاملتهم على حساب العمل بتبني أي من نتاجاتهم بغض النظر عن مستواه الفني، الفن بناء درامي معقد يعرض خلفيات ما يحيط بموضوع القصة وهو عمل يفترض فيه استخدام أحدث التقنيات الفنية لجذب المشاهدين.. ولذا فسؤالنا هنا هو: ما هو الجديد سواء من الناحية الفنية أو ناحية الحبكة أو الثيم الذي تدفع به هذه المسلسلات في وجوهنا لهذه السنة؟.. ألم يدرك منتجو وممثلو هذه المهازل أن المجتمع الذي يقدمون له غثاءهم هذا قد تغير 180 درجة عن عشر سنوات سابقة تمكنوا خلالها من بناء أمجادهم عبر مكتسبات بسيطة ومحاولات شجعها الناس والمجتمع والمؤسسات ذات العلاقة بالدعم المالي واللوجستي المطلوب وتوقعنا أن يواكب ذلك نمو في الخبرة الفنية والإعداد والإخراج والتمثيل يتماشى مع مستوى التعقيد الثقافي والفني الذي تتمتع به الأجيال الجديدة التي تتمكن اليوم من مشاهدة كافة الأفلام السينمائية الجديدة حتى قبل عرضها في الدور الرسمية في أمريكا وأوروبا فما خطب هؤلاء (المتفكهين) وأين يعيشون؟

أشعر بحزن شديد علينا جميعاً في هذا الرمضان المبارك.. فليس هناك ما يستحق أن نجتمع من حوله بعد الصلاة.. وبدأت الخلافات العائلية حتى في الجلسة السنوية اليتيمة في رمضان.. فكل فرد يرغب في تقليب المحطات المختلفة بحثاً عن شيء هنا أو هناك يستحق المشاهدة.. ولعل قراءنا الأعزاء يقدمون بعضاً من توصياتهم في ما يمكن تحمله حتى نتمكن من ابتلاع هذا الضعف حتى نهاية الشهر الكريم عدا اقتراحهم بإغلاق جهاز التلفزيون!!!




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد