لا أظن أن هناك ثمة من يشك بأن هناك دولاً أو منظمات مسؤولة عن جلب الإرهاب الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط، بل والعالم بأسره سوى الممارسات المتطرفة للإدارة الأمريكية بالدرجة الأولى، وهو أمر لا يحتاج إلى أدلة وبراهين لإثباته
فقد أصبح أمرا بديهيا يدركه الجميع، فالولايات المتحدة كما برعت في شتى ميادين وفروع العلم والإنتاج والتقنية والتقدم الحضاري، برع ساساتها أيضاً في إثارة الفتن والنعرات الطائفية والاضطرابات سواء فيما بين الدول أو بين أبناء الدولة الواحدة، ولديها قدرة خارقة على نسج الروايات وافتعال الأزمات، والإدارة الأمريكية (تحفل) بتاريخ ثري في هذا المجال، فالمتتبع للأزمات التي عانت منها بعض الشعوب سواء في منطقتنا أو غيرها يدرك دور هذه الدولة وحليفتها بريطانيا في التدخل في شؤون الكثير من دول العالم مستغلة إمكاناتها العسكرية والاقتصادية والإعلامية والتي ثبت فشل قوتها العسكرية في ظل غياب الدبلوماسية المعتدلة التي تكسب تقدير واحترام الآخرين وتعكس سلوكيات الدولة العظمى تجاه الآخرين.
إن المتتبع للأزمات والفتن التي مرت بها معظم شعوب العالم سواء في منطقتنا أو غيرها يجد أن لأمريكا بصمات واضحة وسيناريوهات متشابهة لافتعال وإشعال الأزمات والفتن وتوظيف الأداة الإعلامية في تزييف الحقائق وإرهاب الآخرين بشعارات مزيفة خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مما جعلها تفقد ميزان العدل والقيم والتسامح والتعايش والتعددية وهو ما عرف في السابق عن أمريكا، بل إنها نصبت نفسها المقوم والمناصر لحقوق الإنسان، وزعمت - زوراً وبهتاناً - أنها الحارس الأمين لحريات البشر في مشارق الأرض ومغاربها، ولاشك أنها نجحت نجاحاً باهراً - على أمرهم وحتى ولو من خلال ممارسة لغة القوة والترهيب والشرعية الدولية خصوصاً أن العالم يرى الولايات المتحدة تقدم دماء أبنائها وتنفق أموالا طائلة لإحقاق الحق والدفاع عن حريات وحقوق الإنسان من وجهة النظر الأمريكية وبما يتفق مع مصالحها ومصالح حلفائها وإخراجها للمشاهد بصورة جيدة لتبدو أقرب إلى الواقع مستعينة في ذلك بجيوش من المبرزين والمتخصصين من المثقفين والإعلاميين والأكاديميين في مختلف العلوم الاجتماعية والعسكرية والتقنية، ولا تكتفي بذلك بل تقدم الحلول اللازمة من وجهة نظرها للمعالجة وتستصدر كافة القرارات التي تشرعن وتسوق رغباتها ومن ثم تشرع في التنفيذ دون الالتفات إلى الأضرار المترتبة على ذلك داخلياً وخارجياً، وغير خافٍ على أحد أنه لا يوجد في ممارسات الإدارة الأمريكية أدنى دليل على احترام القانون أو الشرعية الدولية أو أي اعتبارات للهيئات أو المنظمات الدولية والتي أصبحت أشبه بحصان طروادة خصوصاً في حال تعلق الأمر بمصالحها أو مصالح الدول التي تقع تحت رعايتها المباشرة، لقد دأبت الولايات المتحدة على امتطاء صهوات هذه الجياد الهزيلة للحصول على تأييد من دول العالم المغلوب على أمرها لكل ما ترغب تحقيقه أو ترى أنه من مصلحة حلفائها، ولكن الأقنعة سقطت والشعارات البراقة تهاوت وكشرت أمريكا عن أنيابها وبدت سوأتها، ورأى العالم حقيقة ما تنادي به وتدعو إليه من حريات وحفظ وصيانة لحقوق الإنسان حيث تم تقييد حريات الشعوب وهدر حقوقهم وممتلكاتهم وتدمير دول مع ما تمتلكه من ثروات وعلم وحضارة ومكتبات وإزهاق آلاف الأرواح البريئة وتشريد الملايين من شعوب تلك الدول، ورأى العالم كيف يعامل الأمريكيون المعتقلين في سجن جوانتاناموا أو في أبوغريب وغيرها من السجون الأخرى الذين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والانتهاكات الأخلاقية والجسدية، ورأى العالم -كيف أنها- تكيل بمكيالين في تعاملها مع الدول وبخاصة الإسلامية، وكيف أنها تحرم على شعوب العالم ما تحلله لنفسها وحلفائها وتحت مبررات وحجج تدعو للسخرية وهي بذلك تؤجج نار الحقد والكراهية ضدها وتستعدي الشعوب عليها.
لقد اتخذت أمريكا من هجمات الحادي عشر من سبتمبر تأشيرة دخول سارية المفعول للدول الإسلامية وبعض الدول الأخرى التي رفضت السير في ركابها، وتعهدت بتعقب (الإرهاب والإرهابيين) وكأن كل دول العالم لم تلد إرهابياً من وجهة نظرها قط سوى الدول العربية والإسلامية ولاشك أن في ذلك إشارة واضحة للأطماع الأمريكية المخطط لها منذ عشرات السنين وفق سيناريو للإدارة الأمريكية لكبح تعاظم قوة المسلمين وإمكانياتهم والتي تعتبرها الولايات المتحدة ومن قبلها إسرائيل مصدر تهديد وخطورة على أمنها واقتصادها القومي، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية تحمل نفسها ومن حيث لا تعلم بذلك ديونا كبيرة لا تطيق سدادها بعد تخلي الكثير من حلفائها عن دعمها في حملتها لحماية أمنها ومصالحها وفق رؤيتها الخاصة والتي أضرت كثيراً بصورتها التي عرفت عنها قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهذا الحدث الإرهابي أظهر بوضوح كيف تعامل معه الساسة الأمريكان خارج نطاقه الطبيعي لقلب قيم ومكتسبات أمريكا رأساً على عقب وإحلال مكانها الكره والتندر وفقدان المصداقية والعدل من كافة شعوب العالم وهي بذلك تفقد قيمها ومكانتها كدولة عظمى متى استمرت على هذا النهج الذي يخالف كافة المعاهدات والتشريعات بما في ذلك الدستور الأمريكي الذي أصبح لا قيمة له في ظل الحرب التي تشنها الإدارة الأمريكية المتطرفة ضد القيم والمكتسبات الأمريكية بدعاوى مغرضة لتحقيق ضربات استباقية على حد زعمها وما تعلم بأن ما تقوم به من ضربات (انتحارية) أوقعت نفسها بمخاطر سياسية واجتماعية واقتصادية طالت آثاره كل أفراد الشعب الأمريكي.
riyadms2@yahoo.com