الجزيرة - حازم السند:
ليس الطريق إلى مدينة (العلا) - ذات المعالم الأثرية السحيقة تاريخاً - طريقاً وادعاً أو ممهداً، بما يدفع إلى جذب المزيد من الزائرين، فالطريقان الأساسيان هما الطريق الآتي من المدينة المنورة، والآخر من مدينتي حائل أو تبوك، وهذان الطريقان شديدا الخطورة خاصة في المساء، للظلمة الحالكة، والتفاف الجبال حولهما، وكونهما مزدوجين ذوي مسار واحد، وكثير المنعطفات، وكم كان طريقاً شاقاً ذلك الذي قطعناه من المدينة المنورة حتى مدينة العلا.
في مدخل المدينة ترى اللوحات الترحيبية، التي يكتب فيها (العلا عروس الجبال)، وهي تتميز بالجبال الصخرية العالية، ذات الأشكال العجيبة، والألوان السمراء، وكثير منها أملس كأنه منحوت.
لا يطول الطريق كثيراً من العلا إلى المنطقة الأثرية الكبرى (مدائن صالح)، أو التي تسمى سابقاً بمنطقة الحجر، وهي المحلة التي بناها الأنباط واللحيانيون، وشادوا بها القصور في الجبال، بأن قاموا بنحتها والإبداع في إنشائها، بما يعكس الذوق العمراني الرفيع، والحضارة الكبيرة التي تحصلوا عليها.
لا يحتاج الدخول إلى المدائن سوى التسجيل في المدخل الرئيس، والذي يتسم بالبساطة، والبدائية، فليس سوى باب حديدي يغلق في المساء، وحين سألنا المسؤول في التسجيل عن معلومات حول المدائن، والطرقات إليها، كان أن أجاب بأن علينا أن نتبع المسارات المحددة وألا نخرج عنها، ولم يعطنا أي نشرات تعريفية، أو ورقات معلوماتية، وكأن الزائر إنما سيحل تحت شجرة في صحراء بائدة ساعة من نهار ثم يعود، ولم نعلم أين كانت جهود الهيئة العليا للسياحة التي تحدثت عن هذه المدائن بشكل كبير..!
بعد أن يدلف الزائر إلى المدائن سوف يجد الطريق غير مسفلت، وإنما هو ترابي بما يسمى ب(الردمية)، وبالكاد ترى اللوحات التي تبين أماكن القصور المهمة، وليس بإمكان الجميع الوصول قريباً من المدائن لوعورة الطريق، وخشية (التغريز)، وقد كتبت أمام القصور عدد من اللوحات التي تترجم للشواهد القبرية في المدائن، لكنها كانت مهملة، ولا يكاد يظهر ما كتب فيها لانمحاء الحبر، وتهشم النحت، وبعض هذه اللوحات قد تعرض للتكسير، كما أن الشواهد في صورتها الأساسية قد تحطمت إطاراتها، وتمتلئ هذه البيوت بالزبائل، وأنواع من القاذورات الملقاة، وبعد أن أخذنا الجولة كاملة، كانت الرحلة جالبة للكثير من التساؤلات، فبعض تساءل عن سر التسميات، وآخرون يطرحون تكهنات عن طبيعة بني ثمود، وثالث يروي الأساطير في سكان هذه المدائن، كقصة الصانع وابنته، التي سميت إحدى القصور باسمها، فلو كانت المعلومات المهمة متوافرة لكان ذلك أدعى للمعرفة، والاستفادة.
وقد أكد أحد موظفي فندق (مدائن صالح) أن مسؤولي السياحة لا يزورون الفندق، أو يزودونه بالنصائح، والملاحظات التي تدعم حركة السياح القاصدين للمدائن خاصة من السياح الأجانب، وهم كثيرون، بل لا يكاد يأتون إلا قليلاً، وبشكل خاطف، وهو يعتبر زيارتهم نوعاً من الدعم السياحي، وفرصة لقياس الإقبال، والتعريف الذكي بهذه الأماكن الأثرية المهمة.
إن السؤال المطروح، والذي سوف يعلل كل الملاحظات المذكورة آنفاً، هل لأن شأن زيارة مدائن صالح شأن مشكوك في شرعيته، وإحجام الهيئة العليا عن تلافي هذه السلبيات راجع إلى توقفها في الوسط بين المبيح للزيارة، لغاية الاعتبار، والمحرِّم لها مطلقاً، لئلا تتعرض للمواجهة مع طرف من الأطراف!، لقد كان من الجدير على الهيئة العليا أن تعنى أكثر بقصة قوم صالح، وأن تشيع فكرة الاعتبار بتاريخهم والعظة بحوادثهم، والعقوبة الإلهية التي حلت بهم، وأن تعلل كثيراً من الظواهر المنتشرة هناك وفقاً للرؤية القرآنية، حتى تتحقق الغاية من قوله تعالى {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ( الروم آية: 9)، وحتى يكون لهذه المدائن فضل في الزيادة المعرفية والثقافية والدينية لمن يزورها، لا أن تختار هذا الموقف الوسط، ويرى بعض المتابعين والزوار لهذه المنطقة الأثرية، أن على الهيئة أن تعمد إلى خطوات تطويرية إيجابية، أو أن تغلق هذه المدائن اتباعا للرأي الذي يتحرج من جعلها مشرعة أمام الناس، فأحد هذين السبيلين أولى من الوقوف محايداً!