أكثر ما يثار في كل شهر رمضان كريم في المجالس عند الحديث عن المسلسلات التاريخية هو الاستفسار عن مواقف شاهدوها في هذا المسلسل أو ذاك ويرغبون في التأكد من صحة وقوعها بالشكل الذي قام به الممثلون؟
بداية وقبل الخوض في تفاصيل هذا الموضوع لابد من توضيح مسألة مهمة يجزم بها نظريا جميع الناس دون استثناء، لكنها عند علماء الحديث النبوي وعلماء التاريخ محل دراسة وعناية ومتضحة بشكل أكبر، هذه المسألة أن أي روايات أو قصص تروى عن شخصية عامة في تراثنا القديم بل والحديث ليس بالضرورة أن تكون صحيحة كونها وردت في هذا الكتاب أو ذاك المصدر فالكثير من المصادر القديمة تروي الكثير من القصص ولا تشترط أن تروي الصحيح فقط بل يرون كل ما يمر بهم ثم يوردون المصدر من الرواة وبعض الرواة ثقة حافظ، وبعضهم ينسى ويخلط، والمختص من العلماء يصدر حكمه على تلك الروايات، فكثير من الروايات التي نجدها عن الشخصيات التاريخية ليست صحيحة وإن كانت مشهورة أو مروية في المصادر، فقد روي عن هارون الرشيد وأبي جعفر المنصور، وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة قصص لا تصح بحال من الأحوال، ومع ذلك يرويها الناس بدون أدنى تثبت، كما أن بعض الأفلام التي مثلت شخصيات فلسفية كبيرة كابن رشد ذكرت حوله قصصا وأخبارا غير صحيحة ولا يشفع لهذه الأفلام كونها فازت بجائزة عالمية أو محلية، ومثل ذلك بعض ما ردد عن نمر بن عدوان أو محسن الهزاني وقبلهم الشاعر الكبير المتنبي، وأتذكر أن أحد المسلسلات التي تمثل شخصية إسلامية كبيرة امتازت برواية الحديث النبوي الشريف، هذا المسلسل جعل من هذه الشخصية العلمية والدينية تقوم ببعض مواقف العشق والغرام في جو رومنسي يستحيل أن ينطبق على رواة للحديث النبوي في القرن الثالث الهجري أو الرابع. بعد أن سقت لك عزيز القارئ الكريم هذا التوضيح، أقول إن كثيراً من كتاب هذه المسلسلات والأفلام يعرفون أنهم أتوا بروايات شاذة أو غير صحيحة بل ومكذوبة عن أعلامنا الأوائل لكن هم يرون أن العمل لا يكمل إلا بهذه الصورة فمن وجهة النظر الفنية يستحيل أن تأتي مسلسلة طويلة من عدة حلقات دون حضور للعنصر النسائي وعليه لابد أن يقوم كاتب النص بالبحث هنا أو هناك في رواية صحيحة أو غير صحية عن عنصر نسائي مع أبي حنيفة أو أحمد بن حنبل وغيرهما من الشخصية الدينية الكبيرة!.
وهؤلاء الكتاب يرون أنفسهم مضطرين، لذلك، وبعضهم تكون الأمانة والأخلاق المهنية فيقول إن هذه القصة مستوحاة من القصة الأصلية وليست بنصها، وأما الكثير منهم فلا يراعي هذا الجانب ولا يهمه تلويث فكر المشاهد بهذه القصص التي لا تصح عن رموز تفتخر بهم الثقافة الإسلامية والعربية.
وختاماً لابد من التأكيد على أن المتأمل في كتب التراث يستطيع أن يخرج من هذا المأزق بإخراج مشاهد دقيقة عن الرموز لكن بعد بحث حقيقي وقراءة دقيقة في المدونات التراثية وغيرها، فهناك سيتمكن هؤلاء من مسك العصا من المنتصف بالحديث عن رموز عريقة، وعدم إلصاق قصص وأخبار وأشعار لا تصح عنهم، لكن يبدو أن هذه الطريقة مرهقة وقتيا وماديا وعلميا وهذا ما لا يوجد في استعداد كثير من منتجي هذه المسلسلات والأفلام.
للتواصل: فاكس: 2092858
Tyty88@gawab.com