تستقر المجتمعات البشرية حينما تكون لها ضوابط دينية وخلقية تحكم حياة الناس فيها، وحينما تسود فيها المحبة، وينتشر الوئام، ويكون التقدير المتبادل بين الناس سمة بارزة فيها. وفي ديننا الإسلامي من المراعاة للقيم التي توجه حياة الناس توجيهاً سليماً، ما ليس في غيره من الأديان والأنظمة البشرية. إن تماسك المجتمع المسلم من أهم صفات تميزه عن غيره من المجتمعات، لأن تعاليم الدين الإسلامي تَدْعَمُ مكارم الأخلاق وترعاها وتحث عليها، ومن أهم قواعد التعامل الأمثل التي تستقر بها المجتمعات البشرية قاعدة الاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع، وفي مقدمة ذلك احترام كبار السن الذين عركتهم التجارب وعلمتهم الحياة كثيراً مما يجهله غيرهم من الصغار، احترامهم الذي يشعرهم بقيمتهم في الحياة، وبعدم ضياع جهودهم التي بذلوها من أجل أسرهم ومجتمعاتهم.
كل مسلم يتعلم منذ نعومة أظافره أن طاعة الوالدين عبادة، وأن توقير كبار السن وتقديرهم واحترامهم عمل جليل يحظى بثواب عظيم. وكل مسلم يتعلم منذ نعومة أظفاره أن الرأفة بالصغير ورحمته والعطف عليه ورعايته عمل جليل يحظى - أيضاً- بثواب عظيم.(ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا) عبارة مضيئة بنور مشكاة النبوة تضع لنا أساساً متيناً لرقيِّ التعامل في مجتمعنا المسلم. إنَّ ما نراه في هذا الوقت من تراجع واضح في توقير ذي الشيبة وتقديره، وإشعاره بقيمته لدليل على أن هنالك خللاً قد حدث في فهم معنى التقدير، والاحترام لمن كان لهم دورهم في الحياة حينما كانوا في شبابهم وقوتهم، وقد ساق هذا الخلل إلى شيء من النكران والجحود في واقع التعامل مع كبار السن، وإنْ كنَّا لا نشعر بذلك أحياناً.
إن ما يحدث من تلاشي مراعاة هذا الجانب مع (ذي الشيبة) في مجالسنا ولقاءاتنا العامة لينذر بخطر على تماسك المجتمع الذي تميز برقي علاقاته الاجتماعية، وبتقديره الكبير للآباء والأجداد، ولكل من زينه وقار الشيب، أو مدت إليه الشيخوخة يدها المضطربة.رأيت في مكان عام شباباً جالسين يتنافثون بينهم دخان سجائرهم وقد وقف بجوارهم رجل كبير السن قد بدا الإجهاد على وجهه، وظهر عليه الضيق الشديد من صراخ أولئك الشباب ودخان سجائرهم، وحينما وجهتهم إلى وجوب احترام هذا الرجل الذي هو في عمر أجدادهم أبدوا شيئاً من التذمُّر، وعدم الاهتمام بالأمر جعل الرجل يتنهَّد قائلاً: اتركهم فهم في سكرة النعمة والشباب وغفلة الحياة.
ليس هذا النموذج شائعاً إلى درجة كبيرة في مجتمعنا -ولله الحمد- ولكنه بدأ يبرز بصورة تثير القلق، وتدعونا إلى الاهتمام به حتى لا يصبح أنموذجاً سائداً في المجتمع.
إن تأثير الوسائل الإعلامية وغيرها من وسائل الثقافة والمعرفة السلبي، بدأ يبرز في سلوك كثير من شبابنا من الجنسين في غفلةٍ من أولياء الأمور، ولهذا بدأنا نقرأ منذ زمن عبر صحافتنا المحلية عن أخبار مفزعةٍ من العقوق للوالدين، وعدم التوقير للكبار، وعدم الرحمة للصغار، تحتاج إلى وقفةٍ جادة من الأسرة والمدرسة والمسجد والمجتمع بصفة عامة.
إشارة:
في سنن أبي داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم.