بداية وقبل الخوض في هذا الموضوع (الحساس) الذي يهمنا جميعا باعتبار أن التركيبة الاجتماعية في مملكتنا الغالية هي في أساسها مجموعة من التراكيب القبلية المختلفة والتي توحدت بفضل الله أولاً ثم بفضل موحد هذا الوطن العظيم الإمام العظيم عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل - طيب الله ثراه - وأصبحت والحمد لله تركيبة وطنية واحدة تنتمي كلها إلى وطن واحد وتعيش بتآلف اجتماعي واحد تواشج في بوتقة واحدة بفعل التصاهر والتقارب والتزامل والعمل والمصلحة والوعي والمصير الواحد الذي لا مساومة عليه لدى حتى من يملك ذرة واحدة من عقل؛ أي إننا في خضم هذا العالم الهائج المائج المتلاطم الأمواج نركب في سفينة واحدة اسمها الوطن، وأن مصيرنا كلنا أفرادا وجماعات وقبائل ومناطق ومذاهب يرتبط بسلامة هذه السفينة التي يقودها أبناء ذلك الموحد العظيم وأنه لا منجاة لنا في هذا العالم إلا بالتلاحم أكثر وتعزيز وحدتنا الوطنية أكثر وأكثر، وأن يكون الوطن (سفينة المصير المشترك) لنا كلنا هو فوق كل الاعتبارات الايدلوجية والمناطقية والفئوية والقبلية والطائفية وأن يكون انتماؤنا الصميمي المطلق إلى الوطن أولاً مثلما ينتمي المرء أولاً إلى أبيه وأمه قبل العالمين، ثم إن علينا أن نسهم جميعا في تنمية الحس الوطني وتعزيزه وترسيخه وتدريسه وتعميقه في أفئدة وعقول الأجيال، وأن نناضل بكل ما أوتينا من وعي ضد كل السلبيات والانتماءات الصغيرة الضيقة التي تحول دون تأصيل هذا المشروع.
أما سبب أو مدعاة ما قلت آنفا فهو للأسف الشديد إطلالة (القبائلية) الضيقة ولا أقول (القبلية) باعتبارها انتماء لا أكثر وهي غير القبائلية التي تريد أن تشدنا إلى عصور الجهل والظلام والعصبية العمياء بعد أن أصبحنا بفضل الله إخوانا فمن نذر إطلالاتها القبيحة وكما قلنا سابقا (المزاينات) القبلية ولا أقول المزاينات الوطنية العامة باعتبارها من التراث المشترك لجميع أفراد مجتمعنا العزيز حاضرة وبادية، أما ثاني النذر الشائهة في الأرقام التي بدأت توضع على مؤخرات (المطايا الحضارية) - أي السيارات - التي تعني لبعض الصبية الجهلة بديلا للوسم القبلي ليستدل كل منهم على قبيلة الآخر من خلال الرقم الخاص الذي يعتبر مخالفا لأنظمة المرور، أما ثالثة الأثافي أو النذر فهي العودة إلى تمجيد القبيلة في القنوات الفضائية وبشكل مبالغ فيه، أما رابعة النذر وأقبحها فهي ظهور مسلسلات تلفزيونية بشكل عام لم نعهده من قبل تتناول ما كان بين قبائلنا من خلافات (جاهلية) وثارات وعداوات وبالأسماء ولمواقع دون أن يعي كتاب ومنتجو هذه المسلسلات أن شخوصها مازال أحفادهم بل وأبناؤهم يعيشون بيننا يتفرجون على مآسي أسلافهم وخلافاتهم التي عفى عليها الزمن، فمسلسل مثل (سعدون العواجي) قد نقل بطريقة سيئة خلافات وثارات أجداد هذه العائلة الكريمة (العواجي) الذين لم يزل أحفادهم يعيشون بيننا بعدما أنساهم الزمان والاندماج واندمال الجراح ما كان بين الأجداد وأصبحوا اليوم أسرة واحدة تعتز بها قبيلتها عنزة الكبرى، فلماذا تذكير أبناء فروع هذه العائلة الكريمة بثارات أجدادهم؟! كما أن هذا المسلسل يفتح ملفا أغبر طواه الزمن وهو حروب قبيلة عنزة وقبيلة شمر وكذلك ما كان بين قبيلتي حرب الكريمة وقبيلة عنزة من جهة أخرى وأحفاد (مساعرة) تلك الحروب السيئة يعيشون اليوم إخوانا.