انتهت الانتخابات الأولية للحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، بعد سباق سريع ومحسوم من البداية تقريباً لدى الجمهوريين انتهى بفوز جون ماكين، وسباق ماراثوني لدى الديمقراطيين انتهى بفوز باراك أوباما، واتصف بنقلة نوعية في الانتخابات الأمريكية حين تنافس
على الترشيح امرأة وأحد أفراد الأقليات العرقية، وانتهى بفوز الأخير. فما يتحدث عنه الأمريكيون من محاربة للعنصرية على كل المستويات يتحقق شيئاً فشيئاً في سياساتهم الداخلية.
الانتخابات الأمريكية تحظى بتغطية واسعة.. في مراحلها الأولى ومراحلها النهائية في كل أنحاء العالم. والبعض يتساءل عن سبب انشغال العالم، ونحن، بها. والسبب واضح، فالولايات المتحدة الأمريكية الآن هي الدولة العظمى الوحيدة، التي تؤثر في كل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاستراتيجية في كل أنحاء العالم. ولا يملك إقليم ولا دولة تجاهل ذلك. النقطة الأخرى المتعلقة بهذا الموضوع هي عن مدى تأثير مرشح معني في السياسة الأمريكية. فالبعض يظن أن السياسة الأمريكية لا تتغير بتغير الرؤساء أو ساكني البيت الأبيض. وهذا فهم مبسط للسياسة الأمريكية وبعيد عن الصواب.
صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات، ككثير من الدول الديمقراطية، وهذا يعني أن الجميع، بما فيهم الرئيس، لا بد أن تكون سياساتهم وبرامجهم متمشية مع قوانين البلاد، بمختلف مستوياتها. ويأتي في مقدمة تلك القوانين دستور البلاد.
ولكن الخيارات في نطاق ما هو متسق مع القوانين السائدة كثيرة. كما أن القوانين قابلة للتغيير بدرجات متفاوتة، وقابلة للتفسير بأشكل مختلفة، مما يجعل تعيين قضاة جدد في المحكمة العليا الأمريكية من أكبر القضايا التي يتسابق عليها الرؤساء من الحزبين، ويلاقون في تثبيت مرشحيهم الكثير من العناء من ممثلي الحزب الآخر في مجلس الشيوخ.
فالحقيقة الواضحة هي أن من ينجح في الوصول إلى البيض الأبيض يستطيع أن يفعل الكثير من الناحية النظرية.. ويبقى التنفيذ متعلقاً بعوامل عدة من أهمها درجة فاعليته كقائد.. وحجم الدعم الذي يحصل عليه من الشعب الأمريكي في انتخابات الكونغرس والانتخابات الرئيسية الأخرى، إلى جانب عوامل أخرى.
إذا أردنا أن نعرف تأثير الرئيس الأمريكي في السياسة الأمريكية يمكننا أن نستعرض على سبيل المثال انشغال جيمي كارتر منذ بداية ولايته تقريباً بمشكلة الشرق الأوسط مما أدى إلى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل وما تراكم بعدها من اتفاقيات سلام. قارن ذلك الوضع بعهد الرئيس الأمريكي الحالي، الذي بدأ فترته الأولى، بإعلان أن مشكلة الشرق الأوسط، أو القضية الفلسطينية الإسرائيلية، ليست من أولوياته، وأن أهم قضية لديه هي قضية الخليج، وانعكاسات ذلك على القضية الفلسطينية.
وإذا أردنا أن نعرف تأثير الرئيس على السياسة الأمريكية فلنستعرض مبادرات الرئيس بل كلينتون في الحروب الأهلية العرقية فيما كان يسمى بجمهورية يوغوسلافيا التي أدت إلى حماية الضعيف، بصرف النظر عن دينه وعرقه، من ظلم المتسلط العنصري.. بل لنتذكر محاولته التدخل في الصومال الذي جعل بعض سيئي الظن في السياسة الأمريكية يظنون أن لدى الصومال موارد بترولية غير معروفة.
بل كلينتون لديه قيم إنسانية جعلته يتدخل في تحديد وقت قصف موقع في إحدى الدول ليقلل من حجم الخسائر البشرية الناجمة عن ذلك القصف.
منصب الرئيس الأمريكي هو في الحقيقة ليس أعلى منصب في الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل إنه أقوى منصب يحتله بشر على ظهر البسيطة، ومن السذاجة أن يظن أحد أن من ينتخب لهذا المكان لا يستطيع أن يحدث أي تغيير.
ولكن تبقى الحقيقة الناصعة هي أن الرئيس يحدد بنفسه مدى تأثيره. هل يريد أن يفعل شيئاً في هذه القضية أم لا.. هل يريد أن يتعامل معها أو يتركها لغيره.. كيف يحدد أولوياته وكيف يتعامل معها.