توقفت طويلاً قبل أن أكتب عن وزارة الصحة وفكرت ملياً ونتفت شاربي بقوة وقتاً طويلاً وفركت أصابع كلتا يديّ مع بعضهم بحرقة وألم لفترة، لأنني أحسست أن شيئا ما يخنقني ولا بد من إظهاره. إن مستوصفاتنا الحكومية تحديداً بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل بناء وإمداد لوجستي وكادر طبي وتمريضي وإداري مؤهل ونظام عمل حتى تستطيع تلبية احتياجات شرائح واسعة من المجتمع.
إن هذه المظاهر المزرية التي نشاهدها في مستوصفاتنا الحكومية من انعدام النظافة والترتيب وكيفية استقبال المريض والتعامل معهم نفسياً وجسدياً ودوائياً ظاهرة غير صحية وغير حضارية لا يجب أن تحدث في بلدنا ولا يجب أن تكون وتنم عن قصور ما من طرف وزارة الصحة. إن الزائر إلى مستوصفاتنا النائية وخاصة في (القرى والهجر) والمحافظات وحتى في بعض أحياء المدن يصاب بالدوار وهو يرى الوضع البائس لهذه المستوصفات والعاملين عليها والمراجعين لها من المرضى ومرافقي المرضى رغم الميزانية المهولة ذات الأرقام الكبيرة التي ترصدها حكومتنا الرشيدة في كل سنة والاهتمام الدائم والمتواصل من ولاة الأمر، أن الوضع الخدماتي السيئ والإهمال الذي تتعرض له مستوصفاتنا الحكومية يجب أن يعاد النظر فيه وأن تكون هناك انتفاضة جريئة محسوبة ومدروسة جيدا للعمل على إزالة كل المظاهر السلبية على امتداد مساحة هذه المستوصفات من البحر إلى البحر ومن اليابسة إلى اليابسة. إن الذي يقدم للمريض يتجاوز حدود التصديق ويمتلكك بالدهشة، إنني لا أحاول وأد ما قامت به وزارة الصحة أو أنكر ما قامت به من أعمال جليلة وإنشاءات ضخمة من المستشفيات والمدن الطبية والتي تضاهي في طبيعتها منشآت العالم الطبية بل ربما تتجاوزها هندسة وتقنية وآلات وأجهزة متطورة لآخر ما أنتجته مختبرات العلم الطبي الحديث، هذه حقيقة لا ينكرها إلا جاحد، وأنا لا أحب الجحود بل أبغضه وأمقته وأتمنى زواله، لكنني أود من العاملين في وزارة الصحة وهم أناس رائعون يقدرون حماسي وإفراطي في الكيل لأنني أوقن يقينا تاما بأن لهم قلوبا رقيقة ونفوسا حالمة وأنهم يعشقون النقد الهادف البناء بعيدا عن التزلف والتملق أو الغوغاء أو سوقية الحرف وأوقن أيضا أنهم يعملون بأكثر من قدراتهم وطاقاتهم على جعل الصحة في هذا البلد المعطاء نبراسا يحتذى به وأوقن أيضا بأنهم يواجهون معوقات صعبة قد تلجم سرعتهم الفائقة للوصول إلى الهدف المنشود. إنني أقف مع إنجازات وزارة الصحة بكل تأكيد إجلالا واحتراما، لكنني في الوقت نفسه أقف مع كل المواطنين، الناس الذين يرتادون هذه المستوصفات يعانون ويكابدون شتى أنواع العذابات ولا أحد منهم يستطيع أن يتحدث أو يحتج أو يدين لا لشيء سوى الرضا بالأمر الواقع. إن مستوصفاتنا أصبحت أرضا بورا لا يوجد فيها الدواء الناجع سوى أدوية (الكحة والمسكنات البسيطة) التي لا تقضي على المرض أو تزيله، مفجع ومؤلم ومخجل أن لا تجد دواء في مستوصفات ومراكز صحية عددها الإجمالي يبلغ (1905) مستوصفات موزعة في كل زوايا الوطن الجميل. إنني أعتب كثيراً على العاملين في وزارة الصحة عتب المحب المخلص محاولا إيجاد العذر لهم بأنه قد تأتيهم تقارير بإيجابية الوضع الخدماتي للمستوصفات وأن كل شيء على مايرام (؟!) لكنني أود منهم وهم خيرة من يتحمل النقد البناء أن يمارسوا دوراً ميدانياً مكثفاً وأكثر حرفية ومهنية وأن يشكلوا لجاناً تفتيشية إدارية وفنية ومهنية مشتركة دائمة ومستمرة يقومون بزيارة كافة المستوصفات بشكل فجائي وفي أوقات مختلفة ومتفرقة تقوم هذه اللجنة بإعداد تقرير كامل ومفصل ودقيق ومن ثم معالجة الوضع وتدارك الأخطاء والسلبيات، إنني لا أظن المكرمين العاملين في وزارة الصحة يرغبون في استمرار أوضاع هذه المستوصفات وأوضاع بعض هذه المستشفيات السيئة ويدركون جيدا أن حل هذه المشكلة وإنهاءها لن يأخذ مبلغا كبيرا أو ضخما من ميزانية وزارة الصحة (المهولة والضخمة) التي تنفق أضعاف هذه المبالغ في أمور جانبية شرائية أخرى قد لا يكون لها أي حاجة أو ضرورة ملحة كما هي الضرورة والحاجة إلى تحسين مستوصفاتنا ومحاجرنا الطبية الأخرى. إنني أُكبر في العاملين في وزارة الصحة تقبلهم للنقد البناء الهادف أجل ذلك وأعظمه، لكنني أكبر وأعظم وأقدر أكثر جهدهم الفوري والسريع فيما لو عملوا على إزالة كافة الشوائب والسلبيات والنواقص الدوائية واللوجستية والإنشائية التي ذكرت وأسلفت.
ranazi@umc.com.sa