منذ فترة أعلنت هيئة سوق المال عن قرارها بالسماح بإمكانية إجراء اتفاقيات مبادلة بين الأشخاص المرخص لهم بالسوق وبين المستثمرين الأجانب غير المقيمين لنقل المنافع الاقتصادية للأسهم المدرجة دونما أن ينسحب ذلك إلى نقل ملكيتها إلى الطرف الأخير.. وهذا القرار الذي تفاجئ به الجميع لا يزال يتسبب في جدل واسع حول: هل هو في صالح السوق والمتداولين فيه أم ضدهم؟ ومن جانب آخر، هل الآن يعتبر وقتا مناسبا لصدوره؟ ومن جانب ثالث، من الخاسر والرابح من جراء تعميم تطبيق مثل هذا القرار؟ ولماذا الغموض وعدم الإعلان الصريح عن اشتراطات تنفيذه؟
وأول سؤال يتبادر إلى الذهن هو: هل فعلا لا يمكن إجراء هذه المبادلات قبل صدور القرار الجديد؟ بل هل كان هناك ما يمنع حدوثها؟ إن القرار الجديد يشير إلى السماح بإجراء اتفاقيات مبادلة مع الأجانب غير المقيمين دون نقل الملكية إليهم، وهذا الأمر يمكن بسهولة استنباط أنه كان يمكن أن يحدث في الماضي بلا عائق وبدون الحاجة لموافقة هيئة السوق.. فلو افترضنا أني مقيم بالمملكة ولدي محفظة استثمارية وبها أسهم مسجلة وطلب مني أخي وكافة أفراد عائلتي أو حتى أصدقائي أو حتى آخرين شراء أسهم بالسوق السعودي واستثمارها لصالحهم، فلن يوجد عائق يمنعني من إتمام مثل هذا الاستثمار.. فإذا كنت أنا بصفتي الفردية أتمكن من ذلك، فهل الشركات المالية ذات المقدرات القدرة المالية والائتمانية الهائلة لن تتمكن من ذلك.. باختصار فإن القرار الجديد يقنن وضعا قائما، ولم يأتِ بجديد سوى بالاعتراف الرسمي من قبل الهيئة بإجراء هذه المبادلات.
منذ إعلان الهيئة عن إحصاءات التداول حسب الجنسية والتي أوضحت معلومة في غاية الأهمية وهي أن الأفراد السعوديين يستحوذون على أكثر من 90% من عمليات البيع والشراء في السوق.. وقد شكك كثيرون في مغزى هذا النسبة الكبيرة.. إلا أن السماح بعمليات نقل المنافع الاقتصادية للأسهم فتح الباب ناحية إمكانية وجود مثل هذه الاتفاقيات الودية وغير الرسمية بين أفراد سعوديين ومستثمرين أجانب غير مقيمين، بشكل يمكن أن يفسر تضخم نسبة الأفراد السعوديون في إجمالي حركة التداول.
من المعروف أن هذه الشركات المالية أو الوسطاء الماليون (المرخص لهم) يتداولون بالسوق شراءً وبيعاً لحسابهم أو لحساب الغير، فهم يديرون الاكتتابات ثم يديرون صناديق الاستثمار ثم يبيعون ويشترون لحسابهم وأخيرا منحوا خاصية المبادلة مع الأجانب غير المقيمين.. وقرار السماح لهم بالمبادلة لم يوضح حتى الآن: ما هي الأسهم التي سيسمح لهم بمبادلتها؟ هل هي أسهم صناديق الاستثمار؟ وهل مسموح لهم الاقتراب من أسهم الطرح الجديد؟ وهل هناك توقيت زمني لملكية الأسهم حتى يمكن مبادلتها أم يمكن أن يقوموا بالشراء في السوق نيابة عن الأجانب في نفس اللحظة مع احتفاظهم بالملكية؟ وذلك ذو مغزى خطير ومهم ومؤثر.. إن الأمر غير واضح كلية بالنسبة لقرار لم يزد عن خمسة أسطر، ولكن تأثيره على السوق قد يكون بمليارات الريالات، إنه حقا يستحق لائحة منظمة.
ومن المعروف أن هذه الاتفاقيات مسموح لها أن تتم في أي لحظة، وإذا كان قد تم مؤخراً الإعلان عن إجراء أولى هذه الاتفاقيات، فهذا لأسباب دعائية فقط، ولن يتكرر ذلك كثيراً أو على الأقل لن يتكرر على الدوام.. وقد برر بعض المحللين المسار الصاعد يوم الثلاثاء الماضي بانتعاش مؤشر السوق نتيجة إتمام هذه الاتفاقية. ولكن في المستقبل وفي ظل عدم وجود معلومات عن اتفاقيات المبادلة المنفذة، فكيف سيكون تأثيرها على مؤشر السوق؟ من المعروف أن كل الصفقات المنفذة تؤثر على المؤشر بشكل واضح في نفس اللحظة، ولكن هذه الاتفاقيات ستتم خارج نطاق التأثير على المؤشر في الغالب.. فمثلا شركة مرخص لها تمتلك كماً ضخماً من الأسهم في شركة مدرجة معينة، وقامت بمبادلتها مع شركة أو مستثمر أجنبي آخر في لحظة غير معروفة، هنا المبادلة لن تترك تأثيراً على مؤشر السوق في ذات اللحظة، بل إنها ستؤثر في مؤشر السوق في لحظات أخرى غير تلك التي تمت فيها الصفقة.. وهنا محور الخطورة أن جزءاً مهماً من حركة التداول يمكن أن يؤثر على المؤشر ولكن بفترة إبطاء مختلفة المدة. ومع ذلك، فإن التأثير على المؤشر يمكن أن يحدث في حالة واحدة عندما تقوم الشركة السعودية بالشراء المباشر في السوق من أجل إتمام مبادلة معينة مع مستثمر أجنبي في نفس اللحظة.. ما نود قوله هنا إن هناك فترة إبطاء ما بين حدوث اتفاقيات المبادلة وبين تأثيرها على المؤشر.. بشكل قد يعمق من عدم الشفافية في السوق.
د. حسن الشقطي
* محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com