اعتبر عضو كتلة المستقبل النائب مصطفى علوش: (أن وثيقة التفاهم التي وقعت بين حزب الله وبعض التيارات السلفية، هي نوع من الخروقات الإعلامية التي يقوم بها حزب الله للتصوير بأنه قام بخرق سياسي داخل الشارع السني،
وفي مدينة طرابلس بالذات). وقال: (إن هذه الوثيقة قفزت فوق المشكلة الأساسية التي تتمثل بإصرار حزب الله على وضع لبنان ضمن ما يسمى تحالف الممانعة الذي يخدم عملياً النظامين الإيراني والسوري، ويستعمل لبنان بشعبه وأرضه ومؤسساته ساحة يستفيد منها الآخرون وتكون الضحية). لافتاً إلى: (أن الوثيقة استعملت الأدبيات التي يستخدمها حزب الله حول مسألة المشروع الأمريكي - الصهيوني وأغفلت المشروع الإيراني الذي يشكل نفس الخطر على المنطقة).
إذن، وثيقة (العقد والعهد) التي وقعها حزب الله مع عدد من التيارات السلفية في لبنان، ما هي إلا صورة من صور الالتفاف ضد قيادات السنة، وتفتيتهم في لبنان، وتحقيق مكاسب سياسية ضد تيار المستقبل من أجل الاختراق السياسي، إضافة إلى تكريس الفتنة عن طريق تطييف السنة، والتغلغل في الشمال السني.
إن ما جرى ويجري في لبنان هو صدام بين مشروعين قذرين، هما: المشروع الأمريكي من جهة، والمشروع الإيراني من جهة أخرى. وكلا الطرفين يمتلك مشروعاً سياسياً توسعياً يشمل بأبعاده المختلفة الهيمنة على دول المنطقة. فبرز المشروع الأمريكي في التداعيات العسكرية والسياسية لاحتلال أفغانستان ثم العراق، وبرز المشروع الإيراني بتلك الصورة القبيحة التي شاهدناها الأيام الماضية والساعية إلى تحول في ميزان القوى في لبنان، وتغيير في وضع القوى في الشرق الأوسط. كل ذلك من أجل تصفية الحسابات وتبادل المصالح وكسب النفوذ والتمدد في المنطقة العربية. ولبنان هو ضحية اللعبة السياسية القذرة للمعسكرين (الأمريكي والإيراني) فهو يقع بين مطرقة إيران وسندان أمريكا.
وهذا ما يؤكده الأمين العام السابق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي في لقاء مع جريدة (الشرق الأوسط) لعدد 9067 بتاريخ الخامس والعشرين من سبتمبر لعام 2003م فيقول: (من يقول في لبنان إن إيران لا تتدخل في الشأن اللبناني كاذب. القرار ليس في بيروت وإنما في إيران). أما إبراهيم الأمين أحد مسؤولي الحزب، فيقول في لقاء مع جريدة (النهار) اللبنانية بتاريخ الخامس من مارس لعام 1987م: (نحن لا نقول إننا جزء من إيران، نحن إيران في لبنان ولبنان في إيران). وصرح حسن نصر الله نفسه في حديث لصحيفة (رسالة الحسين) الإيرانية نشرته في شهر أغسطس من عام 2006م -أي في الأسبوع الأخير من العدوان الإسرائيلي على لبنان إثر خطف جنديين إسرائيليين في الثامن عشر من تموز 2006م- قائلاً: (إن رغبة الحزب هي إقامة جمهورية إسلامية يوما ما، لأن حزب الله يعتقد إن إقامة حكومة إسلامية هي الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار للمجتمع).
ما يهمنا اليوم حسب مجريات الأحداث هو العلاقة بين إيران وحزب الله، القائمة على تبني المذهب الجعفري الاثني عشري منهجا ونظاما. تلك العلاقة التي جرت على لبنان ويلات زادت من نار الحرب المستعرة في أرض غير مستقرة في الأساس، فأبقت لبنان في حالة من الضعف المستمر. وقد نشأت تلك العلاقة في عام 1958م حين راودت (الشاه) أحلام الهيمنة على بحر الخليج وبر الشام والعراق. ويشير السياسي الإيراني الدكتور (موسى الموسوي)، فيقول: (في عام 1958م أرسل الجنرال بختيار مدير الأمن العام الإيراني موسى الصدر إلى لبنان وزودوه بالأموال اللازمة.. وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ أصبح هذا الشخص رئيساً للمجلس الشيعي الأعلى. وقد صرفت الحكومة الإيرانية لتوليه هذا المنصب أكثر من مليون ليرة لبنانية). وفي عام 1969م نجح موسى الصدر في إنشاء المجلس الشيعي الأعلى فصار الشيعة في لبنان طائفة مستقلة وبمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية. ويقول الحزب في بيانه التأسيسي الصادر في السادس عشر من عام 1985م حرفياً: (إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم، تلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة، تتمثل في الولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظله مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة). ويقول الشيخ محمد إحسان فضل الله في حوار مع قناة (إم بي سي) الفضائية في الرابع والعشرين من يناير 2003م: (حزب الله تبنى المرجعية الإسلامية في إيران المتمثلة بالسيد الخامئني، ولذلك فهم يعارضون المرجعية المتمثلة بنا وربما يشددون في مواجهة هذه المرجعية بمختلف الأساليب لأنهم يرون المرجعية في إيران هي التي يجب أن تشمل العالم).
إذن فمن البدايات كان ارتباط حزب الله بالمشروع الإيراني واضحاً، فإيران هي الشريان لحزب الله، ويلعب حسن نصر الله دور صلة الوصل بين إيران وقواتها في لبنان، والقائل في إحدى المناسبات وقد نشر تصريحه في مجلة (المقاومة لسان حال الذرائع العسكرية للحزب): (إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام والدولة التي تناصر المسلمين والعرب. وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه. كما أن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا المسلح).
يتبين لنا مما سبق مدى الترابط الوثيق بين إيران وحزب الله، فإيران هي الأم الرؤوم والمرعى الخصيب والمحضن الدافئ لحزب الله. وقد نمت تلك العلاقة بسرعة وثيقة وتراكمت إيجابياتها منذ اللحظة الأولى. وذلك لأسباب عدة أهمها: إيمان كل من إيران والحزب بنظرية ولاية الفقيه. وأن الإمام الخميني هو القائد الولي الذي يترجمها في عصرنا الحديث مما أدى إلى الالتقاء في إطار القيادة العالمية الشرعية الواحدة. وتصدير الثورة الإيرانية إلى العالم الإسلامي من أجل إقامة دول الهلال الشيعي حسب ما يخططون ويسعون له، وهو ما حذر منه عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني.
كما أن السيطرة على منافذ القوى وتهيئة مواطئ قدم لإيران في تلك المنطقة مطلب مهم، فبدون لبنان ستبقى إيران معزولة عن تلك المنطقة. وهي منطقة جوهرية من الصعب تعويضها في مكان آخر، لأنها تمثل منفذاً على دول المشرق العربي بمجمله للتأثير فيه، والتدخل في المنطقة متى تشاء لتحقيق مصالحها وأهدافها القومية والدينية، وكذلك ضرب البنية التحتية للبنان وجره إلى حرب فيتسنى لحسن حزب الله السيطرة على لبنان وفرض وصايته عليه بالقوة، وبسبب موقع لبنان وهو قلب المنطقة وأحد أهم المراكز العالمية، فإنه عندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية فسوف يتبعه الباقون).
إن فقه المرحلة يقتضي إحياء الوعي في صفوف الأمة، وكشف زيف حزب الله الذي انخدع به خلق كثير، عن طريق متابعة ورصد وتحليل الدراسات والتقارير والتصريحات والبحوث التي تتسرب من المراكز البحثية والمؤسسات السياسية المبني على الدليل الصحيح، ونشره في أوساط المهتمين وتوسيع أبوابه مما يعصم الأمة من تلك المخططات الإجرامية. وألا نغفل عن الحقائق ومنها حقيقة المد الفارسي الشيعي في المنطقة والذي بدأ من إيران إلى لبنان مروراً بالعراق الجريح. وذلك عن طريق المتاجرة الوهمية باسم مجاهدة أمريكا وإسرائيل تارة، وتارة أخرى باسم المقاومة الزائفة والقضية الفلسطينية. وقد سرني كثيراً تنظيم المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية بالقاهرة قبل أيام، مؤتمراً ناقش فيه باحثون وسياسيون مصريون وعرب (الدور الإيراني في المنطقة بين المصالح والهيمنة). والذي يهدف إلى تحليل السلوك الإيراني في المنطقة العربية من زاوية المصالح والهيمنة.
كما يجب على الدول العربية أن تكون على مستوى المسؤولية وألا تقبل بتلك الممارسات. فإيران تتدخل في الشؤون العربية من دون وجه حق عن طريق إجادتها للألعاب السياسية لتحقيق أهدافها، فليس لنا إلا الوحدة جميعاً لنكون صفاً واحداً، وألا نقبل بالاستفراد بنا دولة بعد دولة، وإلا فحينها سنقول: (أكلت يوم أكل الثور الأبيض).
drsasq@gmail.com