إذا جاع الكلب فإنه سيتخلى مؤقتا عن شيمته المتأصلة عنده وهي الأمانة، فالدافع الغريزي لسد الجوع سيكون حينها أهم هاجس آني يميل إلى تحقيقه متحملا معاناة وصفه بالخيانة الاضطرارية أو فلنقل التخلي عن سلوك حسن عرف به تحت وطأة الظروف.
فلان من الناس بعد خروجه من مسجد الحي انتابته موجة من الغضب نتيجة لفقده لإحدى فردتي الحذاء، وزاد من حدة الغضب انه قد اتخذ قرارا مسبقا مع نفسه أن كل ما يحل به داخل الحي فإنه نتيجة لممارسات (أبناء فلان) المراهقين ضده، فهو قد اعتاد على نهرهم عن اللعب بجانب السيارات أو أمام الباب، لذلك فهو يظن دائما أن كل المشكلات في الحي خاصة تلك التي يناله نصيبا منها إنما هي بفعل أولئك الصغار المشاغبون حسب رأيه. اخذ يردد قصة فقد الحذاء والجيران يهونون عليه الأمر، حتى إذا اشترى حذاءً آخر حدث له ما حدث في المرة الأولى فتعالت عنده حدة الغضب، ولئلا يقع أولئك الفتيان في دائرة الاتهام وتشوه صورتهم داخل الحي؛ تطوع عدد من الجيران ممن حدث لهم مثل ما حدث له من سرقة فردة الحذاء، فذكروه أن السرقة تكون لفردة واحدة وتحديدا للأحذية الجلدية، فأيقن أن الجيران يملكون خيطا مقنعاً يبرهن على خطئه، فسار معهم ليرى البرهان، فدلوه على مخبأ لكلب ضال لا راعي له يسرق من جوعه الأحذية الجلدية، وشاهد بعينه كل ما غاب عن باله.