حرص الملك عبد العزيز -رحمه الله- على الاجتماع بأفراد الرعية على مختلف مستوياتهم العلمية والثقافية والاجتماعية. وقد خصص مجلسا للعلماء يعقد في صباح يوم الخميس من كل إسبوع للاستئناس بآراء العلماء والمشايخ في المسائل الفقهية والقضائية والتشريعية، كما خصص مجلسا آخر لعموم أفراد الشعب لمن أراد أن يسلم على الملك أو يطلب منه شيئا.
ولا شك أن الملك عبد العزيزكان يتمتع بقدرة فائقة على الحديث والاسترسال مع الناس، وكان قوي الحجة ويملك قدرة عجيبة على الإقناع والتأثير.
وكان يسمع للناس ويحاورهم ويحترم آراءهم، كما كان يتحدث مع الحاضرين بالمجلس حسب أعمارهم وثقافتهم، ويتسم حديثه بالبساطة وعدم التعقيد، ولا يجد حرجا في أن يسأل عن شيء لا يعرفه، وقد عرف ذلك المجلس بمجلس (إبن سعود)
ولم يكن هذا المجلس مجلسا عاديا بل كان منبرا ثقافيا من الدرجة الأولى، ومصدرا للأخبار العامة والسياسية والاجتماعية وغيرها والتعليق عليها، ومكانا للأدب والشعر حيث تلقى فيه بعض القصائد، وكان أيضا مجلسا للقضاء والإدارة والحكمة.
ومع أن هذا المجلس كان مفتوحا لجميع الموضوعات والحوارات إلا أنه يحظر فيه الكذب والنميمة والغيبة.
ومن الأمثلة المختارة التي تبين ما يدور في هذا المجلس أن الملك عبد العزيز سأل ذات يوم عن أحوال الشعب فقال بعض الذين في المجلس: إن الشعب بخير وسعادة وسعة رزق.
فقام أحد الحاضرين وهو شاب فقال: يا طويل العمر إن الناس في حاجة والأسعار مرتفعة والقليل من الناس في يسر والأكثرية في عسر. فنظر الحاضرون إلى هذا الشاب نظرة الاستنكار لكن الملك عبد العزيز قال: بارك الله فيك، أشهد إنك لصادق.
وكان الملك عبد العزيز فطنا حيث لاحظ أن أحد الحاضرين سلم عليه وأراد أن يقول شيئا للملك ولكنه تلعثم ثم جلس بعيدا في المجلس وعندما أراد الخروج جاء للملك وودعه دون أن يقول شيئا. فأوصى الملك أحد رجاله أن يتقصى حالة هذا الرجل فوجده في حاجة فعرف الملك سره، فأمر له بصرة من الجنيهات.
ويروى أن امرأة بدوية جاءت على الملك تشتكي حكم المحكمة لأنها لم تحكم لها بالقصاص حيث سقط رجل من أعلى النخلة على زوجها الذي كان في أسفل النخلة فمات زوجها. فقال إنه لم يتعمد قتل زوجك لكنها لم تقتنع، فقال لها : هل تريدين أن تكوني في أعلى النخلة ونجعل هذا الرجل في أسفلها ثم تسقطين عليه ليموت، فقالت : أخاف أموت أنا قبله. فعرفت أن القصاص يكون في القتل العمد وأن الدية في القتل الخطأ.
وعند بداية استخدام التلفون لأول مرة في المملكة يذكر أن بعض المشايخ لم يصدقوا بذلك وذكروا للملك عبد العزيز بأن هذا الذي يتكلم هو شيطان. فقال لهم: هل الشيطان يقرأ القرآن ؟ قالوا : لا فاتصل على عامل التلفون وطلب منه أن يقرأ القرآن ليسمع كل شخص منهم، فأعطى التليفون لكل واحد منهم ليسمع بأذنه القرآن الكريم ويتحدثون مع عامل التلفون. فعرفوا حقيقة التلفون وأنه ليس بشيطان.
ومن الأمثلة العجيبة أن أعرابيا دخل على الملك عبد العزيز في مجلسه فقال : انصفني من ابنك حيث ضربني، فقال الملك: ما اسمه؟ ولكن الأعرابي لا يعرف اسمه فسأله عن عمره، فطلب الملك إحضار جميع أبنائه الذين هم في السن الذي ذكره الأعرابي، ولما حضروا عرفه الأعرابي فأعطى الملك عبد العزيز الأعرابي عصا فقال: اقتص منه ولكن الأعرابي، قال: هذا يكفيني يا طويل العمر وعفوت عنه ولكن الملك نهض باتجاه ابنه واقتص للأعرابي منه ولم يفلته حتى أمسك الأعرابي بيد الملك عبد العزيز.
إن سياسة الباب المفتوح التي انتهجها الملك عبد العزيز وفرت له قنوات اتصال فعالة في معرفة أحوال الناس الحياتية المختلفة ساعدته على إدارة شئون البلاد بحكمة وروية جعلت قراراته صائبة وسياساته نافعة وتوجهاته سليمة. ولا شك أن هذه السياسة جعلت الملك عبد العزيز في قلوب الشعب على مختلف مستوياته الاجتماعية حيث كان قريبا منهم يتلمس احتياجاتهم ويراعي مصالحهم ويقدم العون والمساعدة للمحتاج منهم.
وبمناسبة اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية الثامن والسبعين أقدم أجمل التهاني والتبريكات إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز والأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي النبيل متمنيا للجميع التوفيق والسداد. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة